الثلاثاء، 29 مارس 2011
طريقة سريعة لضرب الأرقام
إذا ما سألتك الآن : ما حاصل ضرب 2×3 ؟
ستجيب بكل سلاسة : 6
وإذا ما سألتك في كم ثانية حللت هذه المسألة ؟؟ ..
ستجيب في أقل من ثانية !!
حسنا .. هل تستطيع ( بنفس السرعة ) أن تحسب حاصل ضرب 12×13 ؟
ستتردد وربما استخدمت الآلة !!.. لا لا بدون آلة..!
هناك طريقة رياضية صاروخية تضمن لك دقة النتيجة المتناهية
مع سرعة رهيبة الآداء
مختصرا بذلك الكثير من الوقت
الهدف منها هو الحصول على نواتج ضرب الأعداد
من 11 إلى 19 بنفس السرعة والكفائة التي نضرب بها الأعداد من 1 إلى 9
أكمل معنا بقية الموضوع حتى تشاهدها !
إليك الحل :
12 ×
13
خذ الرقم(2) واضربه في(3) وضع أول ناتج : 6
نفس الرقم(2) اجمعه مع (3) وضع ثاني ناتح :5
ضع الواحد الأخير : 1
فتصبح النتيجة : 156
فلنجرب مثال آخر :
14×12 = ؟
4×2 = 8 وأيضا 4+2=6 . مع الواحد الأخير إذا ً الناتج هو : 168
كما ترى , نحن نأخذ الرقمين من خانة المئات , ونضربهم في بعضهم..
ونأخذ نفس الرقمين من خانة المئات.. ونقوم بجمعهم..
بعد ذلك نضع الواحد لأن مضروب أي رقمين في بعضهم
يكون الناتج ثلاثة أرقام ورقمنا الثالث طبعا هو الواحد .
مثال للتثبيت :
11×13 = ؟
1×3 = 3 وأيضا 1+3=4
مع الواحد الأخير فالناتج : 143
مثال أخير :
17× 12 = ؟
7×2= 4 وأيضا 7+2(+1)=0
الواحد الأخير(+1) يكون الناتج : 204
كما رأيت , في حالة كان هناك ناتج ضرب أو جمع فوق العشرة
فنتعامل معها كما نتعامل مع مسائل الجمع ..
مع الوقت والتعود .. ستصبح مسألة بديهية جدا
وستضرب جميع الأرقام من 11إلى19 في أقل من ثلاث ثواني !!
هل رأيت سرعتها ؟؟
أغرب 8 مؤهلات جامعية في العالم
عندما تسأل صديقك عن الوظيفة التي يتمنى الحصول عليها
فإنك تستقبل إجابات تقليدية مثل: طبيب، طيار، محامي، ضابط شرطة
لكن هناك جامعات تقدم تخصصات في مجالات لن تخطر على بالك أنه يمكن دراستها.
1) علم الخبز (أن تكون مستشاراً فنياً للمخابز)
الكثير من مخابز الحلويات تبحث عن ابتكار حلويات جديدة لم تخطر على بال أي فرد، وذلك من أجل زيادة مبيعاتها، ولكن في ولاية كينساس الأميركية ظهرت العديد من الكليات التي فتحت أقسام في كلياتها من أجل تعليم فن اختراع وابتكار حلويات جديدة، وهو التخصص الذي أصبح مطلوباً بشدة في المخابز الشهيرة حول العالم.
2) رسم الكاريكاتير
الكل يعشق الرسومات الكاريكاتيرية وخاصة التي نجدها بداخل الكتب أو المجلات، ولكن من الصعب تصديق أن رسم الكاريكاتير في الكتب له كلية تقوم بتعليمه للطلبة لكي تتخصص في تلك الوظيفة فقط، ففي جامعة مينابوليس هناك قسم مخصص لتعليم كيفية رسم الكاريكاتير في الكتب.
3) مدير ملاعب جولف
يعتبر لاعب الجولف العالمي تايغر وودز هو مؤسس هذا العلم بطريقة غير مباشرة، فهو صاحب الفضل الأول في الشعبية التي وصلت إليها تلك اللعبة الآن، وظهر العديد من المستثمرين ممن يرغبون في بناء ملاعب جولف عالية الجودة، ومن أجل ذلك ظهرت العديد من الجامعات مثل جامعة كوين وشارلوت وفلوريدا في استحداث قسم في كلياتها لتعليم فن إدارة ملاعب الجولف.
4) ابتكار المغامرات
الكثير من الناس يعشق المغامرة، ولكنك لا تدري كيف تقوم بها، ومن أجل ذلك قررت كلية غرين ماونتن أن تنشئ قسم في كليتها يخرج من خلاله خبراء في ابتكار المغامرات سواء بين الجبال أو في الصحراء أو في البحار والأنهار. مع العلم أنك إذا تعاملت مع أحده فلا تقلق على الإطلاق في أن يحدث أي موقف خارج السيطرة فأنت في أمان.
5) جليسة أطفال
بالتأكيد عندما تسمع عن وظيفة جليسة الأطفال، فأول شيء سيأتي على بالك أنها أسهل وظيفة على الإطلاق، فكل المطلوب منها هو اللعب مع الأطفال في المنزل، ولكن جامعة كينتاكي تقوم بتنظيم دورات متخصصة لمن ترغبن في العلم كجليسة أطفال، بالإضافة إلى أنها تمنح رخصة لخريجيها من أجل ممارسة تلك المهنة الهامة الآن.
6) علم الكائنات الفضائية
أغلب الناس يعتبر أن وجود كائنات فضائية هي خرافة لا يمكن تصديقها، ولكن بالرغم من ذلك يوجد مؤيدين لفكرة وجود مثل تلك الكائنات في عوالم أخرى بعيدة عن الأرض، بالإضافة إلى الأفلام التي تؤيد تلك الفكرة، والعجيب في الأمر أنه يوجد جامعة في بريطانيا تسمى جامعة غلامورجن، التي تمنح شهادات في علم الكائنات الفضائية. وتخرج تلك الجامعة أفراداً متخصصين في كيفية البحث عن حياة خارج الأرض، ونحن في انتظار ظهور أول كائن فضائي.
7) علم بيع الزهور
من المعروف أن تلك الوظيفة تأتي بالخبرة أو الموهبة، فهي تعتمد على تنسيق الزهور بألوانها الزاهية مع بعضها البعض، لتخرج لك باقة رائعة تهديها في المناسبات، ولكن المفاجأة أنه في جامعة ميسيسبي يوجد كلية متخصصة في علم بيع الزهور، لكي تخرج أفراد متخصصين في تلك المهنة.
8) علم رعي الأغنام
مهنة بسيطة ولا تحتاج إلى تعليم كما يتصور أغلب الناس ولكن الغريب في الأمر أنك إذا كنت موجوداً في ولاية تكساس الأميركية، ستجد هناك أشخاصاً يحملون مؤهل يسمى (بكالوريوس رعي أغنام) وهو المؤهل الذي تقدمه جامعة جينجز فالي. وهي المهنة المطلوبة بشكل كبير في تلك الولاية.
رسالة في الطريق إلى ثقافتنا الشيخ محمد سعيد رسلان
|
أشرطة السلسلة :
م | عنوان المحاضرة |
1 | |
2 | |
3 | |
4 | |
5 | |
6 | |
7 | |
8 | |
9 |
أبو معاذ مصطفى يكتب : الإعلام المصري و كيد فرعون
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وبعد ,
فبعد أن أرسل اللهُ نبيه موسى عليه وعلى نبينا السلام إلى فرعون , أيده
الله بالحجة والبيان وأعطاه من المعجزات ما أعطاه , وأما عن فرعون فلما رأى
وسمع ما يقوله ويفعله رسول الله موسى لم يسكت قال الله عنه "وَلَقَدْ
أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا
لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) " سورة طه.
فعندما تسمع كلمة فرعون لموسى , يقول له " أجئتنا لتخرجنا من أرضنا ؟؟؟؟؟؟"
ولو راجعنا القرآن كله بل والسنة كلها بل والإسرائيليات كلها فلن نجد أن
موسى قال لفرعون أخرج من أرضك !!!
هل تشعر أيها القارئ بما أشعر به ؟
أتواصوا به ؟! بل هم قوم طاغون
وللعلم حتى لا يَكْذبوا علينا فأنا أوضح الآن أني لا أُكفر أحداً ولا أقول
أن فلان مثل فرعون فى الكفر - وإن كان القوم يحبون الفراعنة - ولكن نحن لا
نكفر مسلماً بعينه لأن التكفير لا يقوم به إلا أهل العلم بعد وجود شروط
وانتفاء موانع .
ولنكمل القصة
من الملاحظ أن إدعاء فرعون بأن موسى يريد أن يُخرج الفراعنة من مصر كان له
دور محوري فى بقية القصة , لأنه استجلب بهذه الكذبة قلوب بقية الفراعنة
فأصبحوا على موسى ناقمين وله كارهين , فلما استحوذ فرعون على قلوب الفراعنة
وأخافهم من موسى وأتباعه تكلم بعدها بقوة , فقال " فَلَنَأْتِيَنَّكَ
بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا
نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)" سورة طه , فكذب مرة
أخرى وأدعى أن موسى جاء بالسحر ولم يات بالحق , ثم كعادة الكذابين يريد أن
يُوهِم الناس أنه صادق فحذر موسى من أن يُخلِف الموعد وقال لن أخلف الموعد
فلا تخلفه أنت , وكأنه يقول له كما قال أحدهم فى هذا الزمان لشيخ من الشيوخ
" أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك استعجب " يريد أن يوحي للمستمعين أن الشيخ
يُكذِب ! ولكن الله المستعان .
ثم قال فرعون " فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)
"سورة طه , وما استطاع أن يجمع كيده إلا بعد كذب على موسى , فلو قال فرعون
للمصريين إن موسى جاء يأمركم بالتوحيد ويريد أن نرسل معه بني اسرائيل وأن
نبتعد عن استضعافهم وان نترك ظلم الناس ! , فسيكون رد المصريين وقتها
مختلفاً ولكن كذبَ عليهم فقال سيخرج عليكم لضرب كل بنت وفتاة لا ترتدي
الحجاب , عفواً خرج عليهم وقال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ؟ هل هذا هو
الدين يا موسى ؟ هل هذا هو العدل ؟ هل هذه هى السنة ؟
ولكن لا عجب فالذى قال للناس أنه هو ربهم الأعلى ليس عجيباً أن يقول ويفعل مثل هذه الأفعال .
ولكن العجيب أن يفعله مسلم , فيخرج إعلامي أو إعلامية ليقول لشيخٍ أتريد أن
تخرجنا من أرضنا ؟ والشيخ لم يقل ذلك ولكن قال الذي لا يقول انه لا يستطيع
العيش فى مصر فعنده تأشيرات لدول أخرى .
وإن كان كلام الشيخ ليس منضبطاً انضباطاً كاملاً ولكن الكل يعلم منهج الشيخ
وأنه يعيش بين المسلمين والنصارى فى مصر منذ عشرات السنين ولم يُسيئ لأحد
ولم يهاجم أحداً , ولكن الله الموعد
والأعجب من هذا وذاك أنه لا يوجد فرعون ! والمفاجئة أن كيده هو فقط الذى نراه !!!
فكيف أجتمع ومن جمعه ؟! لا أدري أو لعلي أدري ولكن لا أريد أن اتكلم , فالله المستعان
وحتى لا تكون الكلمة كلها تعجبات ! فأختم كلمتي بنصيحة لكل إعلامي مسلم ونصراني
وأما نصيحتي للمسلمين من الإعلاميين فأقول : اتقوا الله رب العالمين فى
أعراض الناس فقد ابن عساكر " لحوم العلماء مسمومة من شمها مرض ومن أكلها
مات " , فلا تغتروا هداكم الله بالمال ولا تخافوا من الإسلام , فرسول الله
صلى الله عليه وسلم أرسله الله إلى عالم يموج بالكفر موجاً وأصلح به العالم
فى ثلاث وعشرين عاماً حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الأرض مثل
أبو بكر وعمر وعثمان وعلى واستقامت الحياة على منهاج النبوة حتى انتشر
الإسلام فى العالم وارتفعت أصوات علماء المسلمين فى الدنيا كلها ثم جاءت
النكسة بعد أن ضيع المسلمون دينهم وابتعدوا عنه , وأما وقت أن كانت الأمة
فى قوتها بدينها كان أحدهم يقول " والله نحن فى متعة لو علمها الملوك
وأبناء الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف " وقال الآخر " من لم يدخل جنة
الدنيا لن يدخل جنة الآخرة " فلا تخافوا بارك الله فيكم فالله حكم عدل لا
يظلم وهو أعلم بما يُصلحكم من أنفسكم .
وأما نصيحتى لكل إعلاميٍ نصراني فأقول : إن كنتُ لا أستطيع أن اقول لك اتق
الله فلعلي أستطيع أن اقول تحاكم لعقلك ولا تجعل من نفسك عربة يسوقها من
يسوقها دون أدنى تحكم منك ولا تفكير , وانظر فى كلام الناس قبل أن تتكلم
عليهم , ولا تحكم على الأشياء بحُكم مُسبق ولا تكذب وقد أمرك بذلك كتابك
المقدس كماجاء فى المزامير ( حَتَّى مَتَى تُحِبُّونَ الْبَاطِلَ
وَتَبْتَغُونَ الْكَذِبَ )
, فإنك لو جعلت نفسك آلةً يستخدمها قوم من الخارج أو الداخل وأنت لا تعرف
جيداً ما يُخطط لك ولكل مصري سواءً كان مسلماً أو نصراني , فنحن كمصريين
عند القوم نسمي بالأمميين ولا كرامة لنا ولا قيمة عندهم فانتبه !
والله اسأل أن يجعل لكلماتي هذه القبول
وان يغفر لي ويرحمني
واسأله لمن أراد بالإسلام والمسلمين خيراً أن يوفقه لكل خير ومن أراد
بالإسلام والمسلمين شراً أن يجعل كيده فى نحره وان يجعل تدميره تدبيره
وكتب أبو معاذ مصطفى بن حسين
الاثنين، 28 مارس 2011
من هو أسامة القوصي ؟
هو رجل في العقد الخامس من عمره، متوسط القامة، يميل للنحافة، ذا لحية تميل قليلا للحمرة، وشعر أسود فاحم السواد لم تغزه شعرة بيضاء كأنه مصبوغ، وجلباب وطاقية , يلقي دروسه وخطبه بمسجد الهدي المحمدي بمساكن عين شمس . فمن هو الشيخ أسامة القوصي ؟
أسامة عبد اللطيف القوصي مؤسس تيار "السلفية القوصية"، وهو تيار شبيه بتيار السلفية المدخلية في الجزيرة العربية الذي ينسب إلى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي..
القوصي بدأ حياته صوفيا، وانضم بعدها وهو في كلية الطب إلى جماعة تكفيرية مع مجموعة من أصدقائه مطلع السبعينيات في جامعة القاهرة، وكان يعتقد أن الدولة بمؤسساتها كافرة، وأن جميع من حوله ليسوا مسلمين، وتأثر كثيرا حينها بكتب سيد قطب وأبي الأعلى المودودي، وكان هو ومجموعته يصلون في المسجد ويكررون الآية الكريمة: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}، وقوله: { قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ} فيضجون بالبكاء؛ لأنهم كانوا يتصورون أن فرعون هو حاكم مصر، وقوات الأمن المركزي هي جنود فرعون الذين يحفرون لهم الأخدود.
كان القوصي على استعداد للموت في سبيل الله فهاجر إلى اليمن ليستكمل مسيرة الجهاد، لكن الأقدار دفعت به إلى مجلس الشيخ مقبل بن هادي الوادعي الذي قلب أفكار الرجل من النقيض إلى النقيض، ومحا من عقله الفكر التكفيري، وسافر معه إلى السعودية، إلا أن الأقدار التي جمعتهم فرقتهم مرة أخرى بعد أن رحلت السلطات السعودية كلا الرجلين إلى موطنهما بعد سجنهما شهرين بسبب مجموعة جهيمان العتيبي التي كانت تحيط بالوادعي قبل تنفيذ حادثة الحرم، ثم رحل كل من القوصي والوادعي إلى بلديهما قبل حادثة جهيمان العتيبي بشهرين تقريبا.
القوصي الذي ترك مصر وهو يرى أن حاكمها فرعون، وأن جنود الأمن المركزي هم أصحاب الأخدود، رجع إليها وهو يرفع الشعار المصري العريق (أعطِ العيش لخبازه "الحاكم" حتى لو أكل نصفه)، كما يكرر كثيرا في محاضراته ورجع لينادي "إمام غشوم خير من فتنة تدوم"، و"إمام ظالم وجائر يضرب ظهور الناس ويأخذ أموالهم خير من فتنة تدوم"، ويدعو إلى محاربة المظاهرات والإضرابات والقلاقل والانقلابات؛ لأن أهل البدع لا يعيشون إلا في إثارة الفتن، وأهل السلف يدعون إلى الأمن والأمان.
ويقول الرجل إن ما يدعو إليه هو السلفية الطيبة النقية التي ليست جماعة أبدان، بل هي جماعة أفهام، وليست جماعة بشرية وضعها بشر لا عصمة له، ويرى أن كل الجماعات دعوات جاهلية يجب أن تترك «دعوها فإنها منتنة»، حتى لو غررت بالشعارات الإسلامية، فالمهاجرون والأنصار أسماؤهم منزلة من عند الله، لكنهم كادوا أن يتحزبوا على أساسها لولا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حذرهم، فالجماعة المسلمة جماعة واحدة لا جماعات، وصراط واحد لا عشرات، وسبيل واحد وليس سبلا، ومن معالم المنهج السلفي تجمع المسلمين على ولاة أمورهم، وإن خالفوا الحق، لكنهم لا يسكتون على الفساد ولكن يقومون بإصلاحه، فالجماعة هي الحق، والجماعة هي السلطان.
والسلفية التي تعترف بالحاكم ولا ترى الخروج عليه لكن من جهة أخرى لا تعترف بمؤسسات الدولة الأخرى كمنصب المفتي وشيخ الأزهر هي خارجة عن النظام أيضا ويجب التصدي لها؛ لأنها تنازع الأمر أهله، فلو قال المفتي علي جمعة إنه لم تتم رؤية الهلال نقول له حاضر؛ لأن يد الله مع الجماعة، لكن الأهم من العبادات هي الأمور التي تتعلق بما يعم به البلوى، قال تعالى: {إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
كما أن الرجل لا يؤصل لدعوته شرعيا فقط لكن عقليا كذلك؛ لأن العقل له منزلة مقدمة في الإسلام، فيتساءل: ماذا يستفيد الناس من مهاجمة الحكام والسلاطين؟ أصلح نفسك أولا وبيتك.. نحن نتحدث عن إصلاح الكون ولا نحسن الوضوء وخلافاتنا الدائرة في بيتنا لا نستطيع إصلاحها.. فلنبدأ حيث بدأ النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
وينعكس هذا المنهج "الأصل" عند القوصي على الفرعيات الأخرى، فبما أنه ليس لأحد أن يخرج عن فتوى علماء البلد الرسميين؛ لأن هذا نظام جمهورية مصر العربية، فإن فوائد البنوك حلال ليس لأنه يرى أنها حلال، بل لأن مفتي البلاد قال ذلك، وعندما يحلل المفتي البنوك فليس لأحد منا أن يفتات أو أن يخرج عليه "ومن يقدح في الشيخ علي جمعة -حفظه الله وأطال عمره وحسن من عمله- فهو على طريق يشبه طريق الخوارج ".
ولأن القوصي يرى أن محور الجماعة المسلمة هي الدولة والسلطان فإنه يحارب أي عمل جماعي خارج على نظام الدولة، ويناهض الجماعات الإسلامية والحزبية؛ لأنها في رأيه ضد مفهوم الجماعة ومن ثم فهم خوارج على النظام ومبتدعة في الدين، وحربه ضدهم تهدف إلى إنهاء التفرق في الأمة والتفافها حول سلطانها.
إلا أن القوصي يعتبر أن أخطر جماعة على الإسلام هي جماعة "الإخوان المسلمين" إلى الدرجة التي وصفها في محاضرة له بأنها "فكرة شيطانية"، ومن تحت عباءتها خرجت جماعة الجهاد، والتكفير والهجرة، وحزب التحرير، والجماعة الإسلامية.
ودعا الرجل صراحة وعلنا وفي أكثر من موضع لحظرها عمليا، إضافة إلى حظرها قانونيا لمنع أسباب الإرهاب الفكري، كما دعا إلى منع نشر كتب سيد قطب وأبي الأعلى المودودي، إلا أنه يلتمس للنظام العذر في عدم استئصالها نهائيا؛ لأن الإخوان مخترقون -حسب رأيه- لكل مؤسسات الدولة؛ ولذا فليس من السهل أن يقتلع الإخوان من البلد لأنهم "إخطبوط وسرطان"، لكنه دعا الجميع إلى التعاون في استئصال "الإخوان المسلمين".
ويدافع الرجل عن الحكومات التي لا تحارب المتدين -حسب رأيه- بل تحارب الجماعات.. ويتفهم استدعاء أجهزة الأمن له من آن لآخر واحتجازه في المطار ساعتين إيابا وساعتين ذهابا، ويقول: لابد أن يكون الأمر معروفا لأولي الأمر.. ماذا أدرس؟ وأين أدرس؟ وهذا حقهم كولاة أمر معرفة ما يجري في البلاد، وأنا أقول لهم شكرا وهم يعتذرون لي وأنا أقول لا تعتذروا.. البحث عن إرهابي في وسط 70 مليون مصري يقتضي أن يتعرض الـ70 مليون إلى مشكلات لكن لصالحهم.
وعلاقة القوصي برموز السلفية الأخرى ليست جيدة؛ فيكاد يكون قد هاجم كل الرموز السلفية المعروفة في مصر الوعظية منها والحركية، ويؤكد دوما أنه لا يهاجم أشخاصا بل يهاجم بدعا وضلالات، حتى إنه هاجم الفضائيات السلفية التي انتشرت مؤخرًا، ورفض اسم الفضائيات الإسلامية؛ لأنه ليس هناك إسلام 24 ساعة، فهذا لم يكن على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) لأنه ملل.. كما أن مشايخ السلفية المنتشرين في الفضائيات لم يسلموا من سخرية القوصي الذي وصفهم بأنهم مشايخ صدفة لا يملكون مؤهلا غير الغطرة واللحية، وقال ذات يوم عنهم: "ولو أراد أحدهم أن يشتغل عندي سمكريا لرفضت".
كما سخر القوصي من الهدف الربحي لتلك الفضائيات وقال عنها إنها لا هم لها إلا تحصيل الأموال والإعلانات، فإذا الشيخ فلان مرض يقومون بالإعلان عن مرضه لتتوالى بعدها الرسائل غير المجانية تقول: "شفاك الله يا شيخ"، ثم يتبعه إعلان: "تتشرف قناة كذا الذي يديرها الشيخ فلان بالإعلان عن "الغسالة الإسلامية".. غسالة زمزم المباركة.. توفير الطاقة؛ لأن الله سيسألنا عن المال.. البطانية الإسلامية التي تشع الدفء والحرارة والمودة والرحمة"، ويدعو القوصي إلى مشاهدة باقي الفضائيات؛ لأنها مفيدة حتى لو كانت تحتوي على الموسيقى؛ لأنها حلال عند الشيخ ويجد فيها النافع كما أن فيها الضار.
الواقعية السياسية جزء مهم ومفتاحي لقراءة عقلية القوصي؛ فالجهاد عند الرجل يرتبط بالمصلحة من ورائه، ويخضع لمعايير الخسارة والربح؛ لأن الغرض في النهاية هو النفع؛ ولذلك فالرجل شديد النقد والهجوم على الحركات الجهادية في العالم وحتى المقاومة في فلسطين؛ لأنها لا تحكم هذا المعيار، ووصفهم بأنهم حمقى ومغفلون، ونزع عنهم صفة المصلحين.
وذهب الرجل إلى حث حماس على قبول الصلح مع إسرائيل، كما فعل السادات، واستشهد بصلح الحديبية التي كان فيها إجحاف بالنبي، لكن النبي قبله؛ لأنه لم يكن قد تمكن من مقومات النصر بعد، والحال نفسه الآن بيننا وبين اليهود؛ فهم الأقوى ونحن الأضعف.
والقوصي يرى أن الجهاد في زماننا من فروض الكفايات؛ لأن هناك جيشا لكل بلد والجيش يسد هذا الواجب العيني، ولو قلت إن هذا الجيش جيش الطاغوت ستكون دخلت في عقيدة الخوارج حتى في جهاد الدفع والطلب؛ لأن الجيش المصري هو الموكل عنا وعليه الدفع حتى لو دخل العدو إلى البلاد.
وتأتي آراء الرجل السياسية منسجمة مع هذه القاعدة؛ فلا يكل من الهجوم على حماس والحلف السوري الإيراني، ويرى فيهم محور شر يريدون أن يورطوا بلادنا في الفوضى.
بينما يرى أن أوباما رجل عاقل "فرح العقلاء في كل الدنيا بعقله "أما الحمقى فهم الذين يرفضون ما قاله جملة وتفصيلا.. وأيد القوصي كلام أوباما عن الهولوكوست؛ لأننا كمسلمين مشفقون على كل من قتل من اليهود، لكن يختلف معه لأن الأمريكان لا يقبلون أن تقام دولة لليهود في أمريكا، لكن لا يستطيع أوباما أن يذكر ذلك، وختم حديثه عنه بقوله: "أوباما رجل متسامح.. رجل عاقل، وهو من بلد فيه اختلاف وفيه تعدد، نسأل الله أن يسخره، وأن يجعله سببا في الأمن والسلام في العالم، وأن يجعله سببا في إنشاء دولة فلسطينية يعيش فيها الفلسطينيون آمنين مستأمنين".
بيان وقفة ائتلاف دعم المسلمين الجدد غدا الثلاثاء 29/3 أمام مجلس الدولة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...
تفاعلا مع قضية أختنا الأسيرة كامليا شحاته زاخر فقد تقرر تحت قيادة الشيخ المجاهد حافظ سلامة أن يكون هناك وقفة في يوم 29/3/2011
أمام مجلس الدولة الساعة التاسعة والنصف صباحا بمشيئة الله تعالى .
ونهيب بالإخوة تكثيف الحضور وحشد اكبر عدد ممكن نصرة لأخواتنا.
كما أننا ننبه إلى ضرورة التمسك بالنظام والالتزام بالقواعد التي سيتخذها الإخوة في لجنة النظام حرصا على خروج الوقفة في شكل حضاري ولمنع دخول المندسين والمخربين ونرجو من جميع الإخوة التصدي لكل من يحاول الخروج بالوقفة عن أهدافها, ومنع كل من يريد التسلق حبا في الظهور وإظهارا للذات من الأشخاص الذين لم يتابعوا القضية من أولها ولا علم لهم بمجريات الأمور.
والله المستعان وعليه التكلان.
حقائق هامة عن النظام السوري
حقائق عن النظام السوري
250000 مهجر ممنوعين من العودة إلى سوريا
أكثر من 5000 معتقل رأي
أكثر من 30000 قتيل في مذابح حماة وتدمر وحلب
عشرات آلاف المفقودين الذين لا يعلم أهاليهم شيئا عنهم لعقود
مئات آلاف المعتقلين منذ وصول الأسد الأب إلى الحكم
20000 بيت مصادر لأعضاء الإخوان المسلمين
عشرات المليارات في أرصدة عائلة الأسد
فضلا عن معاناة السوريين الأكراد المكتومي الهوية
شعب خائف يدار لعقود بالفكر الطائفي والقمعي والمخبرين
والرشوة والفساد في كافة مفاصل الحياة
يحرض حاليا عبر أزلامه الإخوة العلويين
الذين انتفضوا عليه أيضا من السنة
ويلعب على وتر الفتنة الطائفية ليقزم الثورة
هذه إنجازات سوريا الأسـد
العروبة والصمود والممانعة
تحية من الجولان
الأحد، 27 مارس 2011
د. رفيق حبيب( النصراني ): الشريعة صمام أمان المسيحية في مصر
يكشف الدكتور رفيق حبيب في هذا الحوار حقيقة المشترك القيمي والحضاري بين المسلمين والأقباط، ويرى أنَّ انضمامَ الأقباط داخل المشروع الحضاري الإسلامي معناه انتهاء فكرة الذمة وتكريس ثقافة المواطنة، مشيرًا إلى أنَّ تماهي الأقباط داخل التيارات العلمانية سيؤدي إلى انكسارِ عقيدتهم؛ لأنها لا تعرف قيمة التعددية القانونية التي تنص عليها الشريعة الإسلامية.
* لماذا يرى بعض الأقباط أن المشروع الحضاري الإسلامي تكريس للطائفية؟
** دعني أشير إلى أنه في مناخ الاندماج بين مكونات الجماعة الوطنية- مثل ما حدث في الفترة المزدهرة لحزب (الوفد)- لن تجد مثل هذا الانطباع، فمثلاً سنجد أن خطاب مكرم عبيد- السياسي القبطي- يؤكد الانتماء إلى العروبة والحضارة الإسلامية في خطابه السياسي، وعندما نلجأ إلى الحل الطائفي يكون مِن شأن ذلك شيوع التمييز بين الهويات.. الأمر الذي يدفع الأقباطَ للدِّين والكنيسة كحلٍّ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ لهم تكون فيه الثقافةُ الفرعيةُ الطائفيةُ هي الإطارَ الأخيرَ، مع إهدار الإطار الحضاري الجامع الذي ينظرون إليه بحسبان الانضواء تحت رايته انتقاصًا من هويتهم؛ لأنه يرى قيمة ما تعارض أن يذوب سياسيًّا مع المجتمع.
ولذلك هناك نوعٌ من الامتناع عن هذا الامتزاج والانضواء لدى عامة الأقباط، وربما هذا يدفعه لأن يرى المسلمون حضارتَهم تختلف عن حضارة القبط، وأن الدولة المصرية تحوي أكثر من حضارة؛ لذلك أنا أرى أن امتناع الأقباط عن الحوار حول المشروع الحضاري الإسلامي أمرٌ في منتهى الخطورة؛ لأننا قبل أن نشرع في تمييز هويتنا بهذا الشكل علينا أن نراجع تاريخَنا الحضاري الذي يؤكد أن قيمنا واحدةٌ، وبالتالي التمييز الحادث الآن يخضع لأسباب ليس لها علاقةٌ بأن هناك تمييزًا اجتماعيًّا فعليًّا في المجتمع، بل هو أمرٌ مختلقٌ؛ وذلك لأسباب اجتماعية وسياسية، ولا يوجد تمييز حقيقيٌّ في القيم الاجتماعية الحاكمة للمسلم والقبطي؛ ولهذا أرى أن ابتعاد الأقباط عن الحوار مع المشروع الحضاري الإسلامي وفي نفس الوقت محاولاتهم تأييد المشاريع العلمانية يعني أنهم يريدون الحفاظ على هوية مستقلة لهم، وهذا تكريسٌ لمسألة الطائفية.
مشروع الإخوان
* لكنْ هل المشروع الحضاري الذي يقدمه الإخوان قادرٌ على استيعاب الأقباط؟
** بظهور المشروع الحضاري الإسلامي في تاريخ الحركات الإسلامية تستطيع أن تقول إنه تم تأسيس الإطار الجامع للمسلمين والأقباط، بالطبع إذا ما استثنينا الفترات التي كانت فيها الحركات الإسلامية تخص نفسَها بالدفاع عن الشريعة الإسلامية، وهذا حقُّها؛ لأن المشروع كان يخص شأنًا إسلاميًّا دينيًّا، وليس موجَّهًا ضد الأقباط ولا يخصهم، ولكن عندما توسع المشروع بكتابات كثيرة على المستوى الفكري والحركي لدى العديد من المفكِّرين الإسلاميين ولدى الإخوان المسلمين بدا المشروعُ الحضاريُّ الإسلاميُّ باعتبارِه مشروعًا نهضويًّا؛ حيث صرنا نتكلم عن قيم الأمة وتقاليدها والاتجاه نحو تعميق هويتها الوطنية والحضارية، أي أننا نتكلم في واقع الأمر عن المسلمين والأقباط، والخصوصيات الثقافية والحضارية لكل منهما.
بوابة العلمنة
* الحاصل عكس ذلك؛ حيث يرى بعض الأقباط أن تغريب مصر وعلمنتها هو الوسيلة المثلى لحفظ كيانهم، وبالتالي لا يرون غضاضةً في أن يكونوا ورقةً في يد بعض العلمانيين لتحجيم المشروع الإسلامي؟!
** من المهم تذكُّر أن التيار العلماني في مصر استخدم ورقةَ الأقباط عارضًا عليهم مناصرةً بلا شروط، واستجاب الأقباط والقيادة الكنسية، التي وجدت أنه من الممكن التعاون فيما بينهم.
التيار العلماني في مصر لم يدرك رؤية الأقباط لمفهوم ذلك التعاون، فالتيار العلماني ينادي بعلمنة مصر كلها، والأقباط يؤيدون فقط علمنة الدولة والنظام العام؛ بحيث لا تمتد العلمنة للكنيسة؛ حيث لا يمكن علمنة المؤسسة الدينية، والعلمانية على هذا النحو بالنسبة لهم حمايةٌ لهويتهم الطائفية مع ضمان نقاء المؤسسة الدينية الحاضنة لهم؛ لأنها غير قابلة في أصولها التراثية للعلمنة، إلا أن هذا التعاون في هذا السياق لا يمكنه الاستمرار، لا سيما مع ظهور إشكالياتٍ قبطيةٍ طائفيةٍ ودينيةٍ كما حدث في أزمة فيلم (بحب السيما).
وهي المواقف التي لا تعجب العلمانيين بطبيعة الحال؛ حيث شرعوا في الحديث عن التطرف داخل الأقباط، وبدا أن طرفي التعاون (العلمانيين والأقباط) لكل منهما مشروعٌ مغايرٌ، وبالتالي حتى في مسألة أن بعض الأقباط قد يؤيدون التدخل الخارجي سنجد أنهم غير مستعدين أن تتسرَّب لهم القيمُ الغربيةُ؛ لأنهم متدينون محافظون، ولديهم تقاليدهم الكنسية الخاصة، وبالتالي يتعاملون مع التدخل الخارجي بوصفه فقط عاملَ ضغط على الدولة لتحقيق مطالبهم، وهي رؤيةٌ قاصرةٌ غير مدركةٍ لخطورة هذا الأمر.
* لماذا؟
** لأن التدخل الخارجي يهدف إلى تغريب مصر كلها، وإلى كسر المسيحية المصرية وفتحها للاختراق والتغلغل من قِبَل المسيحيةِ الغربية، وبالتالي لكل طرف أجندته الخاصة؛ فالغرب ليس قوات تحرير فقط إنما لديه مشروعٌ وفكرةٌ يتحدث عنهما دون مواربة، وعندها ستصبح علمنة الدولة المصرية بالضغط الخارجي مرحلةً أولى تعقبها علمنةُ باقي المؤسسات المصرية وعلى رأسها الكنيسة؛ حيث ستكسر بتقاليدها التاريخية والتراثية، فالتدخل سيَضرب مصر، أقباطَها قبل مسلميها، وإن التعاون الذي تبحث عنه بعضُ فئات الأقباط- أيًّا كان عددها- هو لصالح الغرب الأقوى والمتربِّص؛ حيث سيمكِّنه ذلك من التحكم في الجميع.
الحفاظ على الكنيسة
* تبدو من وجهة نظرك أهمية الحفاظ على وجود الكنيسة المصرية بعيدًا عن التدخلات المذهبية الغربية.
** من مبادئ العمل السياسي في المشروع الحضاري الإسلامي عدم قبول أي هجوم على العقيدة المسيحية أو انتقاص لدور الكنيسة؛ لأن هذا المشروع أساسًا قائمٌ على حماية الدين.
* ومع ذلك ثمة حساسية تبدو عند الأقباط من الإخوان.
** في مرحلة اللجوء إلى الدين وبداية الوعي عند الجماعة القبطية بشكلها الجامع والمانع للغير لاحَ لها أن كلَّ الحركات الإسلامية ستؤدِّي إلى "أسلمة" الدولة والوصول إلى الحكم، وهذا أمرٌ لا يمكن قبوله داخل مشروع طائفي يعتمد أصلاً على تعريف طائفي لمجموعةٍ من الناس والتأكيد على تميزه؛ حيث يصبح اتجاه هذه الفئة أميل لإظهاره، ومن ثَمَّ عندما يوجد في المقابل لها حركاتٌ إسلاميةٌ أو جماعاتٌ دينيةٌ حركيةٌ أو مؤسساتٌ ليس لديها مشروعٌ لتغيير نظام الحكم وليس لديها برنامج عمل سياسي سيكون تخوفها شبه منعدم وغير ذي بال؛ حيث سيكون هناك جماعتان: إحداهما تُعرِّف نفسها بأنها إسلاميةٌ وأخرى بأنها قبطيةٌ، وكل منهما تحاول تأكيد مكانتها، وأغلبية الأقباط- ولأكُنْ صريحًا- يرون أن المشاريع الإسلامية التي تتبنَّاها الحركاتُ الإسلامية تعني تغييرَ نظام الحكم وبصيغةٍ إسلاميةٍ، وهو ما يرونه مؤثرًا سلبيًّا على وجود الطائفة المسيحية، ومن ثَمَّ يرفضون أيَّ حوار أو تعامل معها بحجة أن هذه الحركات خطرٌ على هوية الجماعة القبطية.
* وهل هذا الخوف يمتد إلى الشريعة كمطلب أساسي للحركات الإسلامية؟
** الحقيقة أن الظروفَ الحاليةَ ومع اتجاهات الأقباط التي عرضناها وفي ظل دولة مستنيرة وحركات إسلامية وتدخل من الخارج ونزعة للتعصب من المسلمين والمسيحيين عامةً في مصر منذ زمن.. أدَّى كل ذلك إلى عدم وجود أي مساحة لإعادة تفهمات سابقة في الخبرات القبطية الإسلامية قامت في ظروف تاريخية معينة؛ حيث إن الشريعة الإسلامية ظلت مطبَّقةً في الفترة الأكبر تاريخيًّا ولم تهدر وجود الأقباط، ولكن الآن- ودعنا نعترف- يظن بعض الأقباط أن تطبيق الشريعة الإسلامية يهدر إيمانَهم بعقيدتهم، وعندما يستشري هذا الإحساسُ فمعنى ذلك أننا تركنا الخبرة التاريخية وانقسمنا في مناخ الاحتقان الطائفي.
قبطي في ظل الشريعة
* وكيف ترى الشريعة وأنت المسيحي المخلص لعقيدته؟
** القاعدة الأساسية في تطبيق الشريعة الإسلامية- وعلى مدى قرون طويلة استمرَّت- هو أنه لا يجوز تطبيقُها على المسيحيين فيما يتعارض مع عقيدتهم، وتُطبَّق عليهم فيما لا يتعارض مع عقيدتهم؛ لهذا يصبح موقف القبطي من الجوانب التي لا تتعارض مع العقيدة الإسلامية يماثل موقفه من أي قانون آخر؛ حيث يكون إقرار القانون بالأغلبية البرلمانية، أي من خلال الإجماع والاتفاق، ومن المهم أن تلاحظ مع ذلك أن هذه القاعدة تخص الشريعة الإسلامية والحضارة الإسلامية دون غيرها من القوانين والحضارات، وهذه هي المرجعية الوحيدة التي عرفها التاريخ البشري التي تسمح بالتعددية القانونية لأبناء دولة واحدة.
وعندما يؤيد الأقباط المشروعَ العلماني فمعنى ذلك عدم تطبيق تلك القاعدة الخاصة بالتعددية القانونية، فالنظرة العلمانية تؤكد المساواة التماثلية، وعليه فإن تطبيق النظام العلماني سيؤدِّي إلى تطبيق قانون واحد للزواج والطلاق، وهو ما يعني أن هذا القانون سيكون معبرًا عن عقيدة الأغلبية أو سيكون قانونًا علمانيًّا مدنيًّا لا يراعي القواعد الدينية، فقد تحقق للمسيحيين العرب تطبيق عقيدتهم في أمور الزواج والطلاق بفضل تطبيق الشريعة الإسلامية التي تقبل التعدد، وبالتالي تصبح مطالبة الأقباط للعلمنة بهذا الشكل كسرًا للعقيدة المسيحية.
العلمانية ضد الخصوصية
* بالطبع فالعلمانية الغربية لا تعرف المبدأ الأصولي "دعهم لما يدينون".
** وهذا ما يجب أن يفهمه الجميع؛ لأن المشروعَ العلماني لا يقبل أي تعددٍ قانوني، مهما كانت أي خصوصية ثقافية أو دينية لأي جماعة تعيش على أرض أي دولة غربية، ومسألة الحجاب في فرنسا من أبرز هذه المسائل، فأي فتاة مسلمة تحمل الجنسية- أي مواطنة- غير مسموح لها أن تلبس زيًّا تراه يناسبها؛ لأنه فقط يُظهر خصوصيتَها الثقافية أو الدينية، فما بالنا بتطبيق قانون خاص بأقلية موجودة على أرض فرنسا.
إن تراثنا القانوني الذي تنفرد به ثقافتنا حدَّد أنه في حالة اختلاف الطرفين فمردُّ كل طرف لعقيدته، وإذا تركنا نقاط الاختلاف الضيقة وتحركنا صوب الجانب الرحب من الشريعة ووقفنا أمام فقه المعاملات والبيوع والنظام الاقتصادي سنجد أنه لا فرقَ داخل هذه الجوانب بين مسلم ومسيحي، بالعكس فما أفرزته الذهنية الفقهية قدَّم قيمًا ومبادئَ تتجانس مع القيم الحضارية المصرية والعربية؛ لأنك عندما تتفرَّس قواعد المعاملات وضوابط البيع والشراء التي هي ضوابطُ إسلاميةٌ ستجدها في أصولها وجوهرها هي نفس القيم والضوابط التي كانت تحكم المسيحي المصري وهي أيضًا نفس القيم الممتدة المنتجة عبر حضارتنا على تاريخها الطويل، وهذا الاستمرار والتواصل في القيم هو سر هذه الأمة وهو منبع قوتها.
* هناك اتهام لجماعة الإخوان المسلمين بأنها قامت بتديين السياسة أو تسييس الدين، وأدخلت الدين في الصراع السياسي مما أدى إلى تهميش الأقباط.
** في البداية نؤكد على أن العلاقة بين الدين والسياسة لم تغِب في حضارتنا، بل تبدأ جذورُها من الحقبة الفرعونية، فالأصل في الحضارة العربية الإسلامية وفي الثقافة المصرية أن الحياة من خلال الإطار الحاكم للتعاليم الدينية؛ حيث يصبح الدين منظِّمًا للحياة وبالتالي منظمًا للسياسة، والعلاقة بين الدين والسياسة تقوم على انتظام السياسة في إطار القيم والعقائد والمبادئ والمقاصد الدينية، ونفس الأمر ينطبق على الحياة والنظام العام، حيث تنتظم حياة الجماعة المصرية في إطار القواعد والمبادئ الدينية.
لهذا نؤكد أن دور جماعة الإخوان تركَّز في مقاومة أي محاولة له لتهميش الدين في الحياة والنظام العام؛ ولهذا ظهرت الجماعة بعد إلغاء الخلافة الإسلامية، فهي محاولةٌ لاستعادة النظام التاريخي الحضاري للأمة، وعلينا أن نؤكد أن الوضعية المركزية للدين في الحياة والنظام العام تحافظ على دور الدين في حياة المسلم والمسيحي، فالعلمنة ستكون ضد مكانة الدين في حياتنا جميعًا القبطي والمسلم على حدٍّ سواء.
* هل استطاع الإخوان أن يقدموا صِيَغًا مقبولةً تحدد سلوكَهم تجاه الأقباط؟
** تجربة الإخوان أثبتت أن الممارسة تتطوَّر لديهم أسرع من الفكر؛ لأن الجهد المبذول في الممارسة أكبر بحكم أنهم جماعةٌ حركيةٌ.. لكن أظن أنهم في العديد من القضايا ومنها هذه المسألة الإطار الفكري للجماعة هام، وبالتالي أرى أن الإخوان يحتاجون إلى مزيد من الجهد والعمل اللذين يظهران إطارها الفكري عامة، ويبلوران مشروعها في صورة أكثر وضوحًا، ومبادرة الإصلاح الأخيرة هي إعلان مبادئ، وكل جملة فيها تحتاج إلى جهد حقيقي لبيان أصولها وتأصيلها؛ مما يجعل المتلقِّي يرى كيف تتكامل هذه العناصر معًا وتمثل مشروعًا واحدًا؛ بحيث يكون هذا الجهد الفكري هو الأساس الذي يفسِّر التجربةَ السياسيةَ الحركيةَ للإخوان، وفي نفس الوقت يكون الإطار المنطقي النظري الحاكم للممارسات المتوقعة، فمن المهم أن يعرف الجميع كيف ستتصرف الجماعة في مواقفَ لم تأتِ بعد.
مدرسة الإخوان
* الإخوان ليسوا فقط حركةً بل هم مدرسة ومصدر لتيارات وأفكار متنوعة ومفكرون غير تنظيميين.. أي أن المشروع الحضاري الإسلامي صار ملكًا للأمة لا لجماعة.
** وأنا أرى من المهم على جماعة الإخوان أن تعمل ليس فقط في إطار التنظيم بل في إطار الحركة والتيار، وأن تتفاعل مع المشروعات الحضارية الإسلامية، وأن تستوعب اجتهادات المفكرين التجديديين وتمتصها وتتبنَّاها، وأنا أعلم جيدًا مدى مساحة الاتفاق بين الإخوان وأطروحات العديد من المفكِّرين الإسلاميين؛ بناءً على خبرات شخصية واحتكاكات خاصة؛ لذا أرى أن على الإخوان ألا يكتفوا في الفترة الراهنة بإعلان البيانات والمواقف، سواءٌ من الديمقراطية أو الأقباط؛ حيث يجب أن يتحوَّل هذا الإعلان إلى برنامج تربوي داخل الجماعة حتى نلمسَ أن عضو الجماعة الفرد وليس القيادة يفهم هذه الأمور ثم يمارسها في حياته، وهذا أمرٌ مهمٌّ أيضًا.
* لكنَّ داخل جماعة الإخوان تنويعاتٍ فكريةً قد تقبل أو ترفض مثل هذه التحولات.. الأمر الذي يفرض عليها- كما يرى البعض- خيارًا وسطيًّا وعدم الحسم حتى لا يحدث تصدعات تنظيمية؟
** التنويعات داخل جماعة الإخوان ثريةٌ ومهمةٌ، وللأسف الصحافة تستغلها لضرب الجماعة، إلا أنها في النهاية كانت سببًا في ظهور أفكارٍ جديدة ظهرت بشكل إعلامي وأمكنَ التعبيرُ عنها في الممارسة السياسية، ولكن لم تظهر داخل البيئة التربوية للجماعة، في حين أن بعض الأطروحات التاريخية هي المنطلق الأكبر لمقررات عمليات التربية، وأظن أن جماعة الإخوان بتاريخها العريض التنوع داخلها- سواءٌ كان فكريًّا أو عمريًّا- شيءٌ مهمٌّ، وكسر هذا التنوع سيجعلها ضيِّقةَ الأفق.
إدارة الأجيال
* إذن المحك كيف تدير الجماعة تنوعها الداخلي لا كيف تقضي عليه؟
** على الجماعة أن تخلق الآليات التي تستطيع عن طريقها إدارة هذا التنوع وكيف تضعه على مائدة الحوار، وعليها أن تُشرِك في هذا الحوار أطرافًا أخرى متعاطفةً مع الجماعة ومتقاطعةً مع مشروعها الفكري لنخرجَ في النهاية بثمرةٍ فكريةٍ تصير منهجًا ثابتًا ومَرِنًا وملهمًا لأطروحات التربية وإطارًا فكريًّا حاكمًا للحركة.
* هل تلمِّح إلى ضرورة وجود أقباط فاعلين داخل مشروع النهضة الذي يقدمه الإخوان؟
** داخل المشروع الحضاري الإسلامي لا يوجد ما يمنع أن يكون هناك مفكرون من الأقباط يسهمون في المشروع، وأعتقد أن هذا ضرورة، وهو إسهامٌ مهمٌّ، ولي شخصيًّا خبرةٌ في هذا المجال، سواءٌ بالكتابة أو الممارسة أو الحوار، ووجدت أنني كقبطي تترآى أمامي جوانب في المشروع الإسلامي قد لا يراها المسلم؛ لأنني أستطيع أن أتعمَّق داخل الجوانب الاجتماعية والحضارية الخاصة بالقيم والتقاليد والعادات التي قد تغيْب عن المفكر الإسلامي المعنِي بتفسير النصوص الدينية، وما يخص الشريعة الإسلامية، وربما تغيب عنه أن هناك تفسيراتٍ اجتماعيةً مهمةً لإعادةِ تشكيلِ هذه الأمةِ ونهضتها، وهذا الجانب بالنسبة للقبطي ولي شخصيًّا كان شديدَ الوضوح؛ لأن هناك تنظيماتٍ وتشكيلاتٍ معينةً في الجانب المتغير من الحياة أرى أنها هي التي من خلالها يمكن أن تفيد النهضة الحضارية للأمة، وبالتالي فميدان المشاركة موجودٌ ورحبٌ بالنسبة للقبطي وإضافته ستكون ثريةً وتكسب المشروعَ تنوعًا وتعددًا يحتاجهما المشروع الحضاري الإسلامي، لا سيما أن العقائد للطرفين مصونة ولا تُمَس.
لكن عندما نتكلم عن جماعة الإخوان فهي بحكم تعريفها ذات نشاط ديني ولها مسئولية وضعتها لنفسها أيام الإمام حسن البنا، فلا يصح أن يكون داخلها عضوٌ غيرُ مسلم، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ؛ لأنها جماعةٌ متعددةٌ أنشطتُها في المجال الديني بالأساس، ولكن تظل دائمًا هناك مساحةٌ لأن تتحاور الجماعة مع الأقباط، وهذا أمرٌ شديدُ الأهمية؛ لأنه ثبَتَ بالدليل العلمي في النقابات المهنية والاتحادات الطلابية أن الجماعات الحركية- مثل الإخوان- تكتسب تطورًا متميزًا بالاحتكاك، إذن هناك حاجَةٌ ماسَّةٌ للإخوان للاحتكاك، والأقباط في حالة ماسَّة للحوار حتى يندمجوا داخل المشروع الحضاري الإسلامي.
* وما بديل الحوار والتلاقي؟
** خياران:
الأول /أن تكون لكل طائفة مشروعها، وهو أمرٌ نسأل الله ألا يحدث،
والثاني /أن تكون للأمة مشروعها، وعند ذلك لن نتكلم عن تعصب أو اضطهاد؛ لأن النضال المشترك يجعل الأقباط ليسوا أهل ذمة، بل يجعلهم مواطنين أصلاء، المسلمون في ذمتهم، كما أن الأقباط في ذمتهم؛ لأنه إذا كنت كقبطي لن أناضل في مشروع حضاري مشترك مع المسلمين إذن على المسلمين حمايتي لتتجلَّى فكرة الذمة مرةً أخرى.
فالمواطنة ممارسةٌ والذمة اختيار، وتجربة حزب (الوفد) أثناء النضال ضد المستعمرات رائدةٌ في هذا المجال؛ حيث لم يقل أحدٌ إن هذا قبطيٌّ وذاك مسلم، والسؤال المطروح الآن أنه عندما نناضل حقًّا هل نناضل كطائفتين أم كأمة واحدة؟!
الإلحاد Atheism
الإلحاد في اللغة، الميل والعدول عن الشيء. والإلحاد، في الدين، الميل عن الدين الحق. وهو أقسام، فقد يكون ذلك عن طريق الشرك وإعطاء خصائص الألوهية لغير الله عز وجل، أو بإشراك آلهة أخرى مزعومة معه سبحانه وتعالى.
وقد يكون الإلحاد بإنكار وجود الله تعالى. وكلا النوعين من الإلحاد انحراف عن الفطرة الإنسانية، وطمس لما في البصيرة. وقد كان النوع الأول شائعًا بين الناس خلال التاريخ البشري، إذ كان المشركون قديمًا يقرون بوجود إله، ولكنهم ضلوا الطريق إلى معرفته، وأخطأوا في تصورهم له، فوُجد من اتخذ الشمس والقمر أو مناظر الطبيعة المختلفة آلهة تُعَبد، وهناك من اتخذ إلهًا للخير وإلهًا للشر. وهناك من عبد آلهة متعددة واتخذ إلهًا أعلى يفوقها جميعًا كما كان شأن العرب في الجاهلية: ?ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخَّر الشمس والقمر ليقولُنَ الله فأنَّى يؤفكون? العنكبوت: 61. ?ولئن سألتهم من نزَّل من السماء ماءً فأحيا به الأرض من بعد موتها لَيَقولُنَّ الله قُل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون? العنكبوت: 63. ?قل من يرزقكم من السماء والأرض أمَّن يملك السمع والأبصار ومن يُخرِجُ الحيَّ من الميت ويُخرِجُ الميتَ من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون? يونس: 31 .
أما النوع الآخر من الإلحاد، والذي يعني إنكار وجود الله أصلاً، فقد انتشر خلال القرون الثلاثة الأخيرة (الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين)، وجاء نتيجة للصراع بين العلم والكنيسة في أوروبا، ذلك الصراع الذي انتهى بانتصار العلم وانهزام دعاة الكنيسة. وقد اتخذ مفكرو تلك الفترة هذا الموقف ذريعة لرفض الدين جملةً وإنكار حقائقه وعلى رأسها الإيمان بالله.
وقد انتشرت هذه الظاهرة (ظاهرة الإلحاد) انتشارًا واسعًا في الدول الأوروبية بصفة خاصة، وأصبحت له في بعض البلاد حكومات تحرسه ودول تحميه، وهو يتسلح ببعض النظريات العلمية المادية لتؤيده. ويمكن اعتبار ظاهرة "العَلمانية" جزءًا من التيار الإلحادي بمفهومه العام. فعلى الرغم من ارتباط العلمانية بفصل الدين عن الدولة أو السياسة في الاستعمال الشائع، فإن لتلك الظاهرة دلالتها الأخرى المتصلة بذلك الفصل، والتي لاتقل أهمية في الاستعمال الغربي المعاصر. فهي تدل لدى كثير من المفكرين ومؤرخي الفكر على "نزع القداسة عن العالم بتحويل الاهتمام من الدين بما يتضمنه من إيمان بإله وبروح وبعالم أخروي أو مغاير خفي إلى انشغال بهذا العالم المرئي أو المحسوس وغير المقدس". ويمكن اعتبار العلمانية بمفهومها الشائع - أي فصل الدين عن الدولة - مرحلة مبكرة في هذا التوجه العام نحو ربط الحياة الإنسانية بعالم الحس، لأنها تمنح الأولوية لذلك العالم في التشريع لحياة الإنسان وسياستها. وفي الآية القرآنية الكريمة إشارة إلى هذا المعنى العام والأساسي للعلمانية، حيث يقول الله تعالى على لسان الذين كفروا: ?إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين? الأنعام: 29 . والدنيا هي العالم الوحيد بالنسبة للعلمانية. ومن هنا استخدم مفهوم "الدنيوية" كمرادف للعلمانية. ومن العلمانية اشتق فعل "العلمنة" ليدل على عملية التحول نحو هذا العالم.
مبروك عليك اللوحه.. يا لوح
اللوح... ولوحته
أصبح رجل الأعمال الإماراتي سعيد عبد الغفار
مالك لأغلى لوحة سيارة تحمل الرقم '1' في العالم
أصبح رجل الأعمال الإماراتي سعيد عبد الغفار
مالك لأغلى لوحة سيارة تحمل الرقم '1' في العالم
بعد أن دفع 14 مليون دولار(52.2 مليون درهم)
بحثا عن رقم مميز
بحثا عن رقم مميز
يرضي عقدة النقص التي هو مريض بها
ليدخل بذلك موسوعة 'غينيس' للأرقام القياسية
بعد فوزه في المزاد الذي نظم السبت
في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.
اليوم: تلتقون مع فضيلة الشيخ ابي اسحاق الحويني
إن شاء الله اليوم الأحد 27-3-2011 ستلتقون مع فضيلة الشيخ ابي اسحاق الحويني
لقاء شباب الجامعة بكلية التجارة بمحافظة كفر الشيخ الساعة الواحدة ظهرًا
وسيتم بث اللقاء بإذن الله عبر البث المباشر بموقع الشيخ على هذا الرابط
اضغط هنـــا
وسيتم متابعة اللقاء باذن الله على صفحة الموقع على الفيس بوك على هذا الرابط
اضغط هنــا
لقاء شباب الجامعة بكلية التجارة بمحافظة كفر الشيخ الساعة الواحدة ظهرًا
وسيتم بث اللقاء بإذن الله عبر البث المباشر بموقع الشيخ على هذا الرابط
اضغط هنـــا
وسيتم متابعة اللقاء باذن الله على صفحة الموقع على الفيس بوك على هذا الرابط
اضغط هنــا
السبت، 26 مارس 2011
البيان الجلــيّ في فضائح المدخلـيّ د.طارق عبد الحليم
الحمد لله سبحانه والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد ،
فقد صدر عن المدخلي المُبتلى بالإرجاء ، في موقعه على الإنترنت ، كلمات يموه بها على عقول الشباب بما يورده خلالها من أسماء علماء المسلمين وما ينقله عن كتب السنة وأهل الحديث ، ثم يعرضه عرضا ملتويا هو في حقيقته ، لمن له بصيرة ، حجة عليه لا حجة له ، وكأنه هو صاحب علم الحديث ومنشئه والموكّل بحفظه ! يعلم الله سبحانه أنه أبعد الناس عن الحديث وعن سنة قائله عليه أفضل الصلاة والسلام ، وإن تشدّق بكلماته هذه ، فالعلم بالحديث يتبعه علمًٌ بمنهج السنة في النظر والإستدلال ، وفقه في دين الله وبصيرة في واقع الناس تجعل العالم بصير بمقصود الشارع في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو ما لا يتحلى به هذا الرجل في قليل ولا كثير .
والرجل تائه منحرف لا محالة. فمنهجه في الإرجاء معروف ، بل وغلوه في الإرجاء بما لم يحكى حتى عن السابقين من المرجئة مدون عنه ، حتى أنه جعل منزلة الحكم بالقوانين الوضعية وإقامة تشريع مواز لشريعة الله وترك الشريعة الحقة وتنحيتها جانبا والحكم بين المسلمين في أبضاعهم وأبشارهم وأموالهم بما شرّع نابليون وبوش وغيرهم من شياطين الإنس ، والإعتداء على دعاة الإسلام وقتلهم وتشريد أهليهم ، جعل كل هذا ذنبا بمنزلة من "دخّن سيجارة" أو شاهد فيلما سينمائيا ! ألا ما أجهل أهل البدعة الذين أبتلى الله المسلمين بهم في عصرنا هذا ! وكأن الحكام من الطواغيت لم يقوموا بما أملاه عليهم سادتهم من الصليبيين والصهاينة ، وكأن العدوان الصليبي الغادر بمعاونة هؤلاء الخونة ليس كافيا ، وكأن الإستسلام والعيش في الضيم والهوان في ظل الإحتلال هو السنة وهو المنهج السديد !! ألا إنه وأمثاله لسبة في جبين الإسلام ، قاتل الله الجبناء من أمثاله .
والطامّة الكبرى ليست في هذا الأمر ، بل في أن الرجل لا حياء عنده يردعه عن أن يرمي الدعاة إلى الله ممن هم أرفع منه قدرا وأفضل منه فقها وعلما وأرفع درجات عند الله والناس بالنقائص ويسمى هذا "جرحا وتعديلا" يموه به على من لا عقل له ولا علم من الشباب ممن يدفعه الجهل إلى حبّ النقد والنيل من الغير ، فيجد في هذا المبتدع بغيته فيتبعه على أن يطلق له حرية النيل من أقدار العلماء بحجة الجرح والتعديل ، ويشهد الله أن علماء الجرح والتعديل أبرياء من أمثال هذا الضال المرجئ المعتدى . وهي طريقة يتبعها أمثال هذا من أمثال مقبل الوادعي الذي لم يستحى من الله أن يسمى القرضاوى "الكلب العاوى" ! وسبحان الله هو بين يدي الله لعل الله أن يغفر له مثل هذا الخلل وقلة الأدب . ونحن نختلف مع القرضاوى ، ونعرف مواضع خطئه ونعرّف بها ، ولكن ليس بأسلوب الشتم والإهانة ، وإلا فإن كل كاتب يمكن أن يهين الآخرين ويرميهم بألفاظ قبيحة . والأمر ليس أمر حق وباطل وإنما هو أمر خلق وتربية نتعلمها من سيد المرسلين الذي لم يسمى أكفر الكافرين بمثل هذه الألفاظ ، أتعس الله هؤلاء المبتدعين .
وقد رأيت بعيني رأسي من الشباب ، خاصة ممن لا يتحدث العربية ، يقع في حبائل هذا المُدّعِ ، إذ أن الجهل آفة العدل ، فترى هؤلاء الشباب المنحرف وقد سهُل عليهم الخوض في أعلام الأمة وتمهد لهم طريق الغيبة والسباب وكأن سبّ العلماء هو دليل العلم عندهم ، وكيف لا وقد موّه عليهم هذا الضال بتلك الكلمات التي ينقلها عن سادة السلف ويحرفها عن موضعها لتنطلى خدعه على أمثال هؤلاء ويكثر أتباعه بالباطل وكأنه الحق .
وقد قام العديد من علماء السنة والجماعة ببيان فضائحه وإن قصرت عن الإبانة أقلامهم في بعض الأحيان لما يحظى به هذا المبتدع من حماية السلطان ومن وراء هذه الحماية مباركة أهل العدوان على الإسلام ، إذ قد حقق لهم بكلماته المضللة ما لم تحققه سجون وجيوش وآلات تعذيب وسلطات إحتلال ، فهو بطل العلمانية وحامي حماتها ، وهو مبارِك للعدوان متواطؤ عليه ، ثم هو يدعى السلفية بلا حياء ولا خجل .
إن منهجا يمهّد للعدوان ، ويرضى بالباطل ويخضع لشرع الجاهلية أن يتّبع ولمنهج الله أن يزدرى وينحى عن النفاذ ، لهو منهج ضال منحرف عن الجادة دون الحاجة إلى الرجوع إلى أي كتاب أو السماع لأي عالم ! فإن ما يسوغون للناس قبوله هو عكس مقصود الله سبحانه في إرسال الرسل وإنزال الكتب . ثم هؤلاء يتحدثون عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب إتباع الحكام حتى لو عصوا ، وهو صحيح في موضعه ، إلا أنّ ما يفعل اليوم بشريعة الله هو خلاف ما تقع عليه منطوقات هذه الأحاديث ، كما بينه أسياد هذا المبتدع من علماء السنة الصحيحة ، وكما سنبين إن شاء الله تعالى ، ولكن الهوى والضلالة والبدعة لا تدع في عقل المبتدع منفذاً للنور !
فحسبنا الله ونعم الوكيل في تلك الثلة الضالة من أتباع المدخلي ، أذناب السلطان وحماة العدوان .
ولمّا رأينا أنه لا يرتدع ، قررنا أن نجرعه بالحق من الكأس التي جرّع منها العديد من أهل السنة بالباطل وسنقوم بإذن الله في هذه التقدمة بالردّ على ما نشره هذا المبتدع في تاريخ 19/10/1425هـ على موقعه مما يموه به على عقول العامة من أن ما يفعله هو وقطيعه يعتبر من علم الجرح والتعديل الذي سنه للمسلمين السلف الصالح الذين ضلّ عن منهجهم هذا الدعيّ الجاهل .
ونبدأ بقرير أن التحذير من أهل الضلال والبدع هو أمر متفق عليه لا خلاف فيه وقد دونا فيه صحائف بحمد الله تعالى منها مجموعة كتب الفرق التي أصدرناها منذ أكثر من ربع قرن[1] . كذلك فقد كتبنا عن القرضاوى وأخطائه العديدة[2] . إلا أن هذا لا يبرر الشتم والقذف وقلة الأدب والحياء .
ثم ننقل هنا ما قاله هذا الرجل المبتدع "المدخلي" في موضوع الجرح والتعديل ما يبين بجلاء خلطه للأمور وضيق نظره في فهمه للشرعيات وهو عمدة ما كتبه عن هذا الأمر[3] :
" قال الإمام الذهبي في هذا الكتاب : " الفخر بن الخطيب صاحب التصانيف رأس في الذكاء والعقليات لكنه عري من الآثار وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين ثورت حيرة , نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا , وله كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم سحر صريح فلعله تاب من تأليفه إن شاء الله تعالى " اهـ
قال الحافظ ابن حجر : " وقد عاب التاج السبكي على المصنف ذكره هذا الرجل في هذا الكتاب , وقال : إنه ليس من الرواة , وقد تبرأ المصنف من الهوى والعصبية في هذا الكتاب , فكيف ذكر هذا وأمثاله , ممن لا رواية لهم كالسيف الآمدي وقد اعتذر عنه بأنه يرى القدح في هؤلاء من الديانة وهذا بعينه التعصب في المعتقد " .
انظر إلى السبكي كيف يرمي الذهبي بالتعصب في المعتقد ، وينكر عليه ذكر الرازي وأمثاله في كتابه الميزان , والميزان في نظره خاص بالرواة , وهذا اعتراض باطل دافعه الهوى والتعصب لأمثاله من أهل الأهواء , فلم يشترط أحد من أئمة الجرح والتعديل تخصيص الجرح بالرواة فقط من حيث الرواية فقط ، بل تناولوا الرواة من جهة الرواية ومن جهة المعتقد , فالراوي المبتدع أخطر عندهم من الراوي السليم من البدع , لذا ترى الأئمة لم يكتفوا بذكر أهل البدع في كتب الجرح والتعديل , بل ذهبوا ينتقدونهم ويجرحونهم ويبينون فساد عقائدهم ومناهجهم لشدة خطورتهم في كتب مستقلة وهي كثيرة معلومة لدى العلماء وطلاب العلم ." .
ولا شك أن الشباب الذين يستمعون لهذا الكلام يعتقدون أن تحت القبة شيخ ! وأن الرجل صاحب علم أعلى وفقه أجلّ ! ويشهد الله أن الصحيح عكس هذا على وجه التمام .
أولا : تمويه المدخلي :
موّه المدخلي بذكر مقدمات مجمع عليها من أنّ إظهار عوار أهل البدع بل وتسمية أهل البدعة بأسمائهم ليحذر منهم العامة أمر لا شك فيه ، وهو ما نتفق عليه ولهذا فنحن نكتب عن هؤلاء السلفيين المزيفين ونسميهم بأسمائهم ، فالأمر هو "من هم أهل البدعة" و "من هم الذين يحكمون عليهم بالبدعة" ؟ فأنّا نحسب أن المدخلي من أهل البدعة ونقرر هذا من أقوال السلف والخلف ومن بيان فهم منهج أهل السنة في النظر والإستدلال بما لا يدع مجالا لشك . فالرجل غاية جهده أن يثبت أن الحكم بما أنزل الله ورفع الشريعة من الأرض للحكم بالأحكام الوضعية هو في منزلة الذنب كتدخين السيجارة سواء بسواء ! هناك من المُضَللين والمغترين من يرى مثل هذا الرأي لقلة علم أو لهوى أو شبهة . وسنتعرض لشبه المدخلي في مقالته عن مجال علم الجرح والتعديل الذي اتخذه وأمثاله ممن اغتروا بالألفاظ الكبيرة التي يموهون بها على عوام الشباب وجهالهم لسبّ العلماء – من أخطأ منهم في أمر أو أمور – متخذا سلفا له في ذلك مدّعي السنة الآخر "الوادعي" الذي أسمى القرضاوى "الكلب العاوى" ! سبحان الله على السنة التي يتبعها هؤلاء الضالين والتي تعطى الحق لرجل يصيب ويخطئ ولا يتنزل عليه الوحي أن يسبّ رجلا يقول ربي الله ويدعو إلى الله ، مع خطئه وانحرافه في أمور عديدة سجلناها عليه في مواضع عدة .
والشباب المخدوع إنما يستمع إلى الكلمات والمصطلحات التي يستعملها هؤلاء المبتدعة في خطابهم مثل "ليس بشيئ" و"لا بأس به" و"جاهل" أو "ضال" مما يستعمله علماء الحديث في كتب الجرح والتعديل التي يراد به وجه الله وحماية السنة لا ما يراد بها غمز الدعاة وسبّ العلماء تحت عنوان "الجرح والتعديل" ! .
وسنقوم بعون الله تعالى بالرد على هذه النقاط التي موّه بها المدخلي في مقاله ذاك عن الذهبي وغيره ، ثم نعرج بالرد بشكل عام على مغالطات الرجل وانحرافاته التي يروجها بين الشباب في إجمال فيما يأتي إن شاء الله تعالى .
ثانبا : تخليط المدخلي :
أن كتاب الذهبي "ميزان الإعتدال" إنما هو بالأصالة كتاب في تقرير أحوال الرواة ونقلة الحديث لا في تفنيد كلام أهل البدع والأهواء والنعي عليهم . قال الذهبي في خطبة الكتاب ما نصه : " أما بعد - هدانا الله وسددنا ، ووفقنا لطاعته - فهذا كتاب جليل مبسوط ، في إيضاح نقلة العلم النبوى ، وحملة الآثار " اهـ . وهذا نصّ في تقرير الغرض من الكتاب يقدّم على ما قد يفهم من جزئية وردت مرة أو مرتين في الخطاب ، فجعلها المدخلي أصلا بذاته في الهجوم على الرجال من العلماء – سواء بحق أو بباطل . فالفرق هنا في أن هذا الكتاب ، ومثله من كتب الجرح والتعديل إنما هي موضوعة "أصالة" لتنفنيد أحوال الرواة كما نصّ على ذلك الذهبيّ نفسه ، وأن الحديث عن خلل في العقيدة عند أحد الرجال إنما هو عرض من الأعراض ليس من أصل موضوع الكتاب . وهذا يعنى أنّ إتخاذ عنوان هذا العلم ليكون على وجه "الأصالة" موضوعا لكتب بذاتها تحمل هذا العنوان الجليل ليبرر الهجوم على العلماء ممن ليسوا من أهل الرواية - وإن أخطئوا في بعض أقوالهم - هو من البدع ومما يخالف سنن العلماء ومن التمويه المغرض . والميزان قد تعرض فيه صاحبه لأكثر من أحدى عشر ألفا من الرجال ، لم يتعرض فيه لغير المحدثين والرواة إلا لشخصية أو اثنتين ! فهل يبنى على هذا علم هو أولى بأن يسمى "علم سبّ الرجال" ! ونحن نعلم أن فهم مثل هذه الدقيقة هو مما يعزّ على أمثال المدخلي ومتبعيه ، ولكننا نبين أن من طريقة أهل البدع تقديم العام على الخاص والمجمل على المبين والمطلق على المقيد . فكما ذكرنا ، قدم المدخلي معنى فرعيا وأمرا شاذا عن قاعدة الكتاب واتخذ ذلك ذريعة لجعله أمرا أصليا وأطلق عليه اسم الجرح والتعديل . هذا هو التحريف بعينه . هذا هو التزييف بعينه . وهذا ما يؤيد تسميتنا لهم "السلفيون المزيفون"[4] .
ويموه هؤلاء المزيفون على الجهلة من الشباب أن من له معرفة بالحديث كان فقيها بطريق اللزوم ، وشتّان بينهما ، فإن يحي بن معين لم يكن فقيها ولا كان عليّ بن المديني ولا يحي بن سعيد القطان ولا أبي زرعة ولا غيرهم من أعلام الرجال في علم الحديث ، لا أمثال هؤلاء المصطنِعين للعلم المتطفّلين على موائد الحديث . وإنما كان الأوزاعي فقيها وأبي حنيفة فقيها والشافعي فقيها والليث بن سعد فقيها ، ولم يكن من هؤلاء من يُعدّ من علماء الحديث إلا أحمد بن حنبل الذي جمع بين الحسنيين ، الفقه والحديث . وفقه الحديث هو أمر ثالث يستدعى النظر الفقهي كما بيّن ذلك أمثال الصنعاني في "سبل السلام" والشوكاني في "نيل الأوطار" وما أبعد هؤلاء المدّعين عن رتبة هؤلاء المحققين . فمعرفة الرجال وتحقيق الحديث ليس فقهاً ولا يستدعي فقه ولا ينشأ عنه فقه بطريق اللزوم ، بل هو علم شريف خاص قائم برأسه له أصوله وقواعده التي يقوم عليها ومن ثم ينشأ عنه تصنيف الأحاديث بما هي عليه من رتب التصحيح والتضعيف . وصلته بعلم الفقه كصلة الحداد الماهر الذي يصقل السيف ثم يسلمه للفارس الذي يضعه في موضعه . ولكن هؤلاء البشر- أو أشباههم- لا يكادون يفقهمون حديثا ! فما بالك وهم من تلامذة الحديث الساقطين عن رتبة القيادة فيه ، وإن موّهوا وبثوا فتنهم وزكوا أنفسهم فهم في هذا كلابس ثوبيّ الزور بإدعائهم ما ليس فيهم ، وإنما أفلحوا في خدمة السلاطين وتحسين ترك العمل بالشريعة في أنظار العوام ، جزاهم الله بما يستحقون .
ثالثا : تدليس المدخلي في إيراد الأدلة :
ثم يعمّى المدخلي عن أهداف ووسائل علماء الجرح والتعديل فيقول :
" فلم يشترط أحد من أئمة الجرح والتعديل تخصيص الجرح بالرواة فقط من حيث الرواية فقط ، بل تناولوا الرواة من جهة الرواية ومن جهة المعتقد , فالراوي المبتدع أخطر عندهم من الراوي السليم من البدع , لذا ترى الأئمة لم يكتفوا بذكر أهل البدع في كتب الجرح والتعديل , بل ذهبوا ينتقدونهم ويجرحونهم ويبينون فساد عقائدهم ومناهجهم لشدة خطورتهم في كتب مستقلة وهي كثيرة معلومة لدى العلماء وطلاب العلم " .
وهو مرة أخرى تحريف للقول عن موضعه . فإن الجملة بذاتها ناطقة بالخلط والتعمية ! فإنه يقول : لا يشترط تخصيص الجرح بالرواة فقط من حيث الرواية فقط . وهو هنا قد خلط أمرين ليشبّه على الجهلة المعنى المنحرف المغلوط الذي يدّعيه . فرغم أنه قال "تخصيص الرواة فقط" فقد ساق في الجملة التي بعدها ما قرره العلماء من حيث نقد عقيدة الرواة ، وهو ما لم نختلف عليه ، إنما نختلف على صحة نقد من هم ليسوا من الرواة في غير الرواية تحت اسم علم الجرح والتعديل ! هذا ما لم يتم للمدخلي ، وإن موّه به بمثل هذه الجملة المخلّطة ، بل قد جاء عنه ما نقله هو نفسه من أن هناك كتب مستقلة تتناول عقائد المبتدعة وإظهار انحرافهم !
ونتساءل : لماذا إذن لم يتناول المدخلي وأمثاله الأخطاء أو الإنحرافات في فتاوى بعض العلماء أو في بعض معتقدات آخرين في كتب مستقلة يمكن أن يكون الغرض منها قرع الحجة بالحجة ، بأسلوب أقرب إلى السنة وأليق بهدى الإسلام ؟ والجواب أن الأيسر في تجريح الناس أن يصدر عن كبيرهم الذي علمهم السب كلمة مختصرة بأن فلان "جاهل" أو "ليس بشيئ" أو مثل ذلك من مصطلحات علماء الحديث ، ولا حاجة إلى تدوين أكثر من ذلك إذ أن تناول الأدلة قد يعوّد الشباب على فهم الحجة والرجوع إلى الأدلة بشكل عام ، وهذا لا يخدم مصالح هؤلاء المدّعين من عملاء السلاطين وأنصار المعتدين والمحتلين ، فالأسهل أن نصنّف في كلمة أو كلمات رجل أو رجال ممن هم أعلى قدرا وأعلم فقها بأنهم كذا وكذا ، ولينطلق بهذه الكلمات شباب اغتر بأنهم اصبحوا من أهل الجرح والتعديل !!! سبحانك اللهم ، نجّنا من أمثال هؤلاء المخادعين المغترين .
ألا وإني أصنّف هذا المدعي "صاحب بدعة ، ليس بشيئ ، متروك" .
ثم ينقل مرة أخرى قول مسلم :
وقال الإمام مسلم – رحمه الله - : " واعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها ، وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروى منها إلا ما عرف صحة مخارجه ، والستارة في ناقليه ، وأن يتقيَّ منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع" .
وواضح أنّ مسلم يتحدث عن أصحاب الروايات وضرورة الرواية عن الثقات دون أهل البدع والأهواء ، وهو ما لم نختلف عليه . فالرجل يسوق أدلة تدل على أمر مجمع عليه ، ويتخذها دليلا على ما لم يتفق عليه ! وهو من التدليس في الرد . وهو ما موّه به بعد في مقاله على الإنترنت " أئمة لحديث ومن سار على نهجهم هم أعلم الناس بأهل الأهواء والبدع ومشروعية الجرح والتعديل من الأكفاء لم تنقطع " . فقد نقل الآتي مما يؤكد صحة ما ذهبنا اليه من تدليسه في إيراد الأدلة :
قال :
"1 -إبراهيم بن طهمان الخراساني نزيل مكة وثقه في الرواية عدد من الأئمة وممن وثقه الإمام أحمد وصالح بن محمد جزرة والدارقطني ولكنهم وصفوه بالإرجاء تهذيب التهذيب ( 1/ 129-130) وقال الذهبي فيه قال الدارقطني ثقة وإنما تكلموا فيه للإرجاء . وقال أبو إسحاق الجوزجاني : فاضل رمي بالإرجاء . وقال أحمد : " صحيح الحديث مقارب يرى الإرجاء وكان شديداً على الجهمية " الميزان (1/38) .
2- أيوب بن عائذ الكوفي ، قال الذهبي : " وكان من المرجئة قاله البخاري وأورده في الضعفاء لإرجائه ، وذكر الذهبي أنه له عند البخاري حديث وعند مسلم حديث آخر فإنه مقل " ، الميزان ( 1/289) وذكر الحافظ أن ابن المبارك والبخاري وأبا داود وابن حبان وصفوه بالإرجاء , تهذيب التهذيب (1/407) ونقل توثيقه عن الأئمة " .
ويرى القارئ الفهيم من هذه الأمثلة أن الرجل يدلّس فيها ويعمّى على القارئ ، إذ أنها لرواة من أهل البدعة (الإرجاء) روى عنهم بعض الإئمة وصحح بعضهم أحاديثهم ، بل روى البخارى ومسلم لبعضهم . فهؤلاء أولا وأخيرا رواة ، فلم التدليس وخلط الأدلة ؟ . وهو محصول ما نقله عن ابن حجر في تهذيب التهذيب في طعنه على ثور بن زيد وما نقله عن الميزان من نعي الأوزاعي على الوليد حين حدّثه عن ثور .
والعجيب أن هذا الرجل لا يستحى من النقل عن الإئمة للدلالة على معنى منحرف والإلتواء بالكلام كما نقله عن ابن القيم في أنواع الأقلام :
" القلم الثاني عشر : القلم الجامع , وهو قلم الرد على المبطلين , ورفع سنة المحقين , وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها , وبيان تناقضهم , وتهافتهم , وخروجهم عن الحق , ودخولهم في الباطل , وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام , وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل المحاربون لأعدئهم . وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة, المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال " .
وهو معنى صحيح عن ابن القيّم رحمة الله عليه ، والحمد لله الذي جعلنا من أصحاب هذا القلم الذى ندرأ به عن السنة الصحيحة وعن أعراض الدعاة ضد أمثال المدخلي الشانئ المنحرف . فإن لم يكن هذا تدليس في إيراد الأدلة فما يكون التدليس فيها بالله عليكم ؟
وقد حذر العلماء من مثل هذا التطرف البغيض في سبّ الخصم وإسقاط قدره ، إذ هو ليس من هدي النبوة ولا هو جار على مهيع الشرع . قال الشاطبيّ رحمة الله عليه في حديثه عن الإجتهاد :
" أولا : أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدا له ، ... كما لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير ( ونحن نخالف في هذه الجزئية - التقصير- كما بيّن عبد الله دراز في تحقيقه ) ولا أن يشنّع عليه بها ولا ينتقص من أجلها ... .وعن بن المبارك أنه قال : كنا في الكوفة فناظروني في ذلك – أي في النبيذ المختلف فيه – فقلت لهم تعالوا فليحتج المحتج منكم عمن شاء من أصحاب النبي بالرخصة فإن لم نبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه فاحتجوا فما جاءوا عن واحد برخصة إلا جئناهم بشدة فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود وليس احتجاجهم عنه في رخصة النبيذ بشيء يصح عنه قال ابن المبارك فقلت للمحتج عنه في الرخصة يا أحمق عد أن ابن مسعود لو كان ههنا جالسا فقال هو لك حلال وما وصفنا عن النبي وأصحابه في الشدة كان ينبغي لك أن تحذر أو تحير أو تخشى فقال قائلهم يا أبا عبد الرحمن فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام فقلت لهم دعوا عند الاحتجاج تسمية الرجال فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا وعسى أن يكون منه زلة أفلأحد أن يحتج بها فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة قالوا كانوا خيارا قال فقلت فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدا بيد فقالوا حرام فقال ابن المبارك إن هؤلاء رأوه حلالا فماتوا وهم يأكلون الحرام فبقوا وانقطعت حجتهم هذا ما حكى والحق ما قال ابن المبارك فإن الله تعالى يقول فإن تنازعتم فى شيء فردوه إلى الله والرسول الآية " الموافقات جـ4 ص170
كذلك فيقرر الشاطبي أنّ هذا العمل – تجريح الخصوم وإسقاط هيئاتهم - هو مما يجرّ الى الفوضى ويناقض الشرع ، فيقول في معرض حديثه عن أصول الترجيح بين المفتين :
" المسألة الثالثة : حيث يتعين الترجيح فله طريقان أحدهما عام والآخر خاص فأما العام فهو المذكور في كتب الأصول إلا أن فيه موضعا يجب أن يتأمل ويحترز منه وذلك أن كثيرا من الناس تجاوزوا الترجيح بالوجوه الخالصة إلى الترجيح ببعض الطعن على المذاهب المرجوحة عندهم أو على أهلها القائلين بها ... فلنذكر هنا أمورا يجب التنبه لها :
قال : ... والثاني : أن الطعن في مساق الترجيح يبين العناد من أهل المذهب المطعون عليه ويزيد في دواعي التمادي والإصرار على ما هم عليه لأن الذى غض من جانبه مع اعتقاده خلاف ذلك حقيق بأن يتعصب لما هو عليه ويظهر محاسنه ...
والثالث أن هذا الترجيح مغر بانتصاب المخالف للترجيح بالمثل أيضا فبينا نحن نتتبع المحاسن صرنا نتتبع القبائح فإن النفوس مجبولة على الانتصار لأنفسها ومذاهبها وسائر ما يتعلق بها فمن غض من جانب صاحبه غض صاحبه من جانبه فكأن المرجح لمذهبه على هذا الوجه غاض من جانب مذهبه فإنه تسبب في ذلك كما في الحديث إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه قالوا وهل يسب الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه فهذا من ذلك وقد منع الله أشياء من الجائزات لإفضائها إلى الممنوع كقوله لا تقولوا راعنا وقوله ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله الآية وأشباه ذلك والرابع أن هذا العمل مورث للتدابر والتقاطع بين أرباب المذاهب وربما نشأ الصغير منهم على ذلك حتى يرسخ في قلوب أهل المذاهب بغض من خالفهم فيتفرقوا شيعا وقد نهى الله تعالى عن ذلك وقال ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا الآية وقال إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ وقد مر تقرير هذا المعنى قبل فكل ما أدى إلى هذا ممنوع فالترجيح بما يؤدي إلى افتراق الكلمة وحدوث العداوة والبغضاء ممنوع ... فإن المدح إذا أدى إلى ذم الغير كان مجحفا والعوائد شاهدة بذلك .
والخامس : أن الطعن والتقبيح في مساق الرد أو الترجيح ربما أدى إلى التغالي والانحراف في المذاهب زائدا إلى ما تقدم فيكون ذلك سبب إثارة الأحقاد الناشئة عن التقبيح الصادر بين المختلفين في معارض الترجيح والمحاجة ... وهو الحق الذى تشهد له العوائد الجارية وقد جاء في حديث الذى لطم وجه اليهودي القائل والذى اصطفى موسى على البشر أن النبي غضب وقال لا تفضلوا بين الأنبياء أو لا تفضلوني على موسى مع أن النبي جاء بالتفضيل أيضا فذكر المازري في تأويله عن بعض شيوخه أنه يحتمل أن يريد لا تفضلوا بين أنبياء الله تفضيلا يؤدي إلى نقص بعضهم قال وقد خرج الحديث على سبب وهو لطم الأنصاري وجه اليهودي فقد يكون عليه الصلاة والسلام خاف أن يفهم من هذه الفعلة انتقاص موسى فنهى عن التفضيل المؤدي إلى نقص الحقوق قال عياض وقد يحتمل أن يقول هذا وإن علم بفضله عليهم وأعلم به أمته لكن نهاه عن الخوض فيه والمجادلة به إذ قد يكون ذلك ذريعة إلى ذكر ما لا يحب منهم عند الجدال أو ما يحدث في النفس لهم بحكم الضجر والمراء فكان نهيه عن المماراة في ذلك كما نهى عنه في القرآن وغير ذلك هذا ما قال وهو حق فيجب أن يعمل به فيما بين العلماء فإنهم ورثة الأنبياء فصل وأما إذا وقع الترجيح بذكر الفضائل والخواص والمزايا الظاهرة التي يشهد بها الكافة فلا حرج فيه بل هو مما لا بد منه في هذه المواطن أعني عند الحاجة إليه وأصله من الكتاب قول الله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض الآية فبين أصل التفضيل ثم ذكر بعض الخواص والمزايا المخصوص بها بعض الرسل وقال تعالى ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا وفى الحديث من هذا كثير لما سئل من أكرم الناس فقال أتقاهم فقالوا ليس عن هذا نسألك قال فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا وقال عليه الصلاة والسلام بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحد أعلم منك قال لا فأوحى الله إليه بلى عبدنا خضر وفى رواية أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم قال أنا فعتب الله عليه إذا لم يرد العلم إليه قال له بلى لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك الحديث واستب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم والذى اصطفى محمدا على العالمين في قسم يقسم به فقال اليهودي والذى اصطفى موسى على العالمين إلى أن قال عليه الصلاة والسلام لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى آخذ بجانب العرش فلا أدرى أكان فيمن صعق فأفاق أو كان ممن استثنى الله وفى رواية لا تفضلوا بين الأنبياء فإنه ينفخ في الصور الحديث فهذا نفي للتفضيل مستند إلى دليل وهو دليل على صحة التفضيل في الجملة إ ذا كان ثم مرجح وقال كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وقال للذى قال له يا خير البرية ذاك إبراهيم وقال في الحديث الآخر أنا سيد ولد آدم وأشباهه مما يدل على تفضيله على سائر الخلق وليس النظر هنا في وجه التعارض بين الحديثين وإنما النظر في صحة التفضيل ومساغ الترجيح على الجملة وهو ثابت من الحديثين وقال خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وقال عمر كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة وهم عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحرث بن هشام إذا اختلفتم أنت وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ذلك وقال خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الله الأشهل ثم بنو الحرث بن الخزرج ثم بنو ساعدة وفى كل دور الأنصار خير وقال أرحم أمتى بأمتي أبو بكر وأشدهم في الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرؤهم أبي بن كعب ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وقال عبد الرحمن بن يزيد سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدى من النبي حتى نأخذ عنه فقال ما أعرف أحد أقرب سمتا وهديا ودلا بالنبي من ابن أم عبد ولما حضر معاذا الوفاة قيل له يا أبا عبد الرحمن أوصنا قال أجلسوني قال إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما يقول ذلك ثلاث مرات والتمسوا العلم عند أربعة رهط عند عويمر أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام الحديث وقال عليه الصلاة والسلام اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر وما جاء في الترجيح والتفضيل كثير لأجل ما ينبني عليه من شعائر الدين وجميعه ليس فيه إشارة إلى تنقيص المرجوح وإذا كان كذلك فهو القانون اللازم والحكم المنبرم الذى لا يتعدى إلى سواه وكذلك فعل السلف الصالح فصل وربما انتهت الغفلة أو التغافل بقوم ممن يشار إليهم في أهل العلم أن صيروا الترجيح بالتنقيص تصريحا أو تعريضا دأبهم وعمروا بذلك دواوينهم وسودوا به قراطيسهم حتى صار هذا النوع ترجمة من تراجم الكتب المصنفة في أصول الفقه أو كالترجمة وفيه ما فيه مما أشير إلى بعضه بل تطرق الأمر إلى السلف الصالح من الصحابة فمن دونهم فرأيت بعض التآليف المؤلفة في تفضيل بعض الصحابة على بعض على منحى التنقيص بمن جعله مرجوحا وتنزيه الراجح عنده مما نسب إلى المرجوح عنده بل أتى الوادي فطم على القرى فصار هذا النحو مستعملا فيما بين الأنبياء وتطرق ذلك إلى شرذمة من الجهال فنظموا فيه ونثروا وأخذوا في ترفيع محمد عليه الصلاة والسلام وتعظيم شأنه بالتخفيض من شأن سائر الأنبياء ولكن مستندين إلى منقولات أخذوها على غير وجهها وهو خروج عن الحق وقد علمت السبب في قوله عليه الصلاة والسلام لا تفضلوا بين الأنبياء وما قال الناس فيه فإياك والدخول في هذه المضايق ففيها الخروج عن الصراط المستقيم " المولفقات جـ4 ص263 وبعدها
وقد أطلنا النقل هنا لأهميته واشتماله على دليله ، والشاهد هنا أنّ تتبع العورات وعدم إقالة ذوى الهيئات عثراتهم ومحاولة إسقاط الخصم بالتجريح هي من البدع الشنيعة والتي لا تدل إلا على ضعف هذه الطغمة من المبتدعين . ونحن قد وصمناهم بالبدعة لا لمجرد التجريح بل لأن بدعتهم هي من البدع الشنيعة التي نصّ العلماء على أن أمثالها يجب أن يبيّن ويعيّن وأن يسمى للناس حتى يعرفه القاصى والداني ، فالمدخلي ليس كالألباني ولا قريب منه ، وهو بالقطع ليس كبكر أبو زيد أو الدوسرى أو غيرهم من أئمة السنّة المشهود لهم ، وإنما قصاراه أنه إمام لعدد من الجهلة من الشباب الذين غرتهم هذه الألفاظ العريضة من علم الجرح والتعديل فأخذوا في علم سبّ الرجال وهم في هذا مغرورون ضالون ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
رابعا : شبه المدخلي ومن حذا حذوه :
أ. شبهة أن تبديل شرع الله ورفعه من حياة الناس والحكم بغيره هو من الذنوب التي تغتفر :
وهذه هي إحدى العبر في حديث هذا المدخلي التي موّه بها على الشباب وجعل الكثير من جهالهم ينسحبون من الصراع مع الحق ليغرقهم في مصطلحات جرحه وتعديله وقلة أدبه مع العلماء ، وهو ما يخالف أساس التوحيد وأن الحكم والتشريع هو وحده حقّ لله لا للبشر . وقد تاه عن عقل هذا الدعيّ أن المقصود هنا هو حق التشريع ووضع شريعة بديلة لشرع الله لا إقامة الحكم بخلاف الشرع على وجه الظلم والبغي كما حدث على مرّ تاريخ المسلمين من قبل كارثة سقوط الخلافة وتبني العلمانية والإنخلاع عن الشرع جملة وتفصيلا . وقد نبّه كثير من علماء السنّة لهذا الخلط من أمثال أحمد ومحمود شاكر والدوسري وبن باز الذي يتشدقون بأنه ينصر قولهم في الإرجاء ومذهبهم في الإيمان ! كما سنبين فيما يأتي .
العموم يبقى على عمومه اللفظي إن تكرر وتقرر : قال الشاطبي : " الثاني : أنه قد ثبت في الأُصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة وأتى بها شواهد على معان أُصولية أو فروعية ، ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص ، مع تكررها ، وإعادة تقررها ، فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم كقوله تعالى : {وَلاَ تزِرُ وازرِةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، {وَأنْ ليْس لِلاْنْسَانِ إلاَّ مَا سعَى} وما أشبه ذلك "[5] .
"من" في معرض النفي تفيد العمـوم : كما في آية " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ " فإنه من هنا لا يمكن إلا أن تفيد العموم المطلق بغير استثناء إلا أن يكون استثناءاً متصلا كما في آية البقرة " ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده " 249 ، يعنى أنه كل من شرب منه كفايته (طعمه) فهو ليس من موسى ، ثم استثنى من ذلك من اغترف غرفة بسيطة ، كما في شواهد اللغة . والمقصود أن الإستثناء من آية المائدة لم يثبت في القرآن متصلا أو منفصلا ، بل ثبت خلاف ذلك من العمومات المتكررة والتقررة كما في بند 1 .
كلمة "يحكم" هي بمعنى التشريع المطلق لا مطلق التشريع : جاء القرآن بلفظ "يحكم" ومصدره "حكم" . والحكم كما هو معرّف في قواعد الأصول : "خطاب الشارع لمجموع المكلفين بالإقتضاء والتخيير والوضع" أو في تعريف آخر "بمجموع الأحكام الشرعية التكليفية والوضعية" . ومعروف أن الأحكام التكليفية خمسة : الواجب ، المندوب ، المباح ، المكروه والحرام . ثم إن الأحكام الوضعية خمسة : السبب ، الشرط ، المانع ، الرخصة والعزيمة والصحة والبطلان . ومحل شرحها تفصيلياً هو علم الأصول ، ولكن الشاهد هنا أن الحكم المقصود هنا ليس بمعنى "الفعل" أو "التنفيذ" بل هو وضع تشريع متكامل يغطى مفهوم الأحكام الشرعية بشقيها ، موازيا لما شرعه الله سبحانه . والمراجع للتشريعات الوضعية يرى أنها وضعت على نفس هيئة التشريع الإلهي ولكن بما يراه البشر من قوانين . فمثلا : في القانون المدني المصريّ مادة 174 : أن للزوج الحق في رفع دعوى الزنا على زوجته إن وجدها تزني في بيت الزوجية ، ولكن إن ثبت أنه ارتكب جريمة الزنا في نفس البيت من قبل لم تسمع دعواه عليها" وفد جعل القانون زنا الزوج "مانعا" من إقامة الدعوى ، والله سبحانه لم يعتبر هذا من الموانع . كما أباحت القوانين الوضعية ما حرّم الله من بيع الخمر وشربها وجعلت لذلك شروطا ما أنزل الله بها من سلطان كأن يكون من يشتريها أكبر من 21 عاما وألزمت باستخراج تصاريح مبيحة للبيع والتداول . وكل هذا تقنين وتغيير لرتب الأحكام التكليفية بأن جعلت الحرام مباحا والمباح حراما وقننت شروطا وأسباب وموانع لم يعتبرها الشارع . فهذا هو مناط "الحكم" الذي ورد في آية المائدة بمعنى التشريع لا مجرد إقامة الأحكام والتلاعب في البينات أو الظلم وتعدي الحدود كما يزعم من دخلت عليهم شبه الإرجاء وتلوث بجرثومتها .
كلمة "الْكَافِرُونَ" في القرآن : من الضروري أن نقيم قاعدة هامة من قواعد فهم التنزيل وهي ما ذكرها الشاطبي في "الموافقات" ، قال : فكان القرآن آتيا بالغايات تنصيصا عليها ، من حيث كان الحال والوقت يقتضي ذلك ، ومنبهاً على ما هو دائر بين طرفيها ، حتى يكون العقل ينظر فيما بينهما بحسب ما دلّه الشرع" وقد استخلص الشاطبي هذا المفهوم من وصية أبي بكر لعمر عند موته . وقد بيّن فيها أن الله "قد ذكر أهل النار بأسوأ أعمالهم لأنه ردّ عليهم ما لهم من حسن" . فيؤخذ من هذا أن القاعدة القرآنية تأتي بالأطراف الغائية وتدع السنة تبيّن وتشرح ما بينهما . فلذلك لا يمكن أن تكون كلمة الكافرون هنا بمعنى "الكفر الأصفر" إذ أن ذلك إنما يرد في السنة لا في القرآن ، وإلا فما هي الصورة الغائية في الحكم بغير ما أنزل الله ، ولا يصح هنا أن يقال غير مؤمنا بها لأن الآية لم تتحدث عن إيمان أو جحود ، بلتحدثت عن ممارسة الحكم بمعنى التشريع المطلق .
تحقيق مقالة "كفر دون كفر" : حين النظر في قول بن عباس الذي حكاه عنه أبا مجلز وعطاء : ، فإننا نرى أن هذا القول كان يقصد إلى الرد على فئة محددة من الخوارج الذين أرادوا أن يخرجوا على حكم بني أمية ويتذرعون بقول بن عباس وأبي مجلز أو من هم من علماء التابعين كعطاء ليبرروا هذا االخروج ، الذي نرى أنه لا مبرر له في حالة بنى أمية إذ أنهم لم يشرّعوا غير ما أنزل الله ولم يجعلوه قانونا يتحاكم إليه الناس ، وهو الفارق الذي عجز من دخلت عليهم شبه الإرجاء في هذا العصر من أن يستوعبوه سواء علمائهم كالألباني مع جلالته في الحديث ، أو عامتهم ممن أجلّوه ونزهوه عن الخطأ وقلدوه دون تحقيق أو نظر ، أو من اتبع مدعي العلم من قيادات الإخوان المسلمين . ونترك للمحدث العلامة – شيخ الألباني – الشيخ أحمد شاكر وأخيه العالم الجهبذ محمود شاكر في بيان ما نقصد إليه :
يقول أحمد شاكر : ( وهذه الآثار – عن بن عباس – مما يلعب به المضللون في عصرنا هذا من المنتسبين للعلم ومن غيرهم من الجرآء على الدين يجعلونها عذرا أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة التي ضربت على بلاد الإسلام . وهناك أثر عن أبي مجلز في جدال الإباضية الخوارج إياه فيما يصنع بعض الأمراء من الجور فيحكمون في بعض قضائهم بما يخالف الشريعة عمدا إلى الهوى ، أو جهلا بالحكم . والخوارج من مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر فهم يجادلون يريدون من أبي مجلز أن يوافقهم على ما يرون من كفر هؤلاء الأمراء ليكون لهم عذراً فيما يرون من الخروج بالسيف . وهذان الأثران رواهما الطبري وكتب عليهما أخي السيد محمود شاكر تعليقا نفيسا جدا فرأيت أن أثبت هنا نص الرواية الأولى للطبري ثم تعليق أخي على الروايتين .
" فروى الطبري عن عمران بن حيدر قال : أتى أبي مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس فقالوا : يا أبا مجلز أرأيت قول الله تعالى : ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون؟ أحق هو؟ قال :نعم ، قالوا : ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الظالمون ، أحق هو؟ قال :نعم ، قالوا : ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الفاسقون ، أحق هو؟ قال :نعم ، قالوا : يا أبا مجلز ، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله (يريدون الأمراء الظالمين من بني أمية) قال : هو دينهم الذي يدينون به وبه يقولون ، واليه يدعون ، فإن تركوا منه شيئا عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً ، فقالوا لا والله ولكنك تفرق ! قال : أنتم أولى بهذا مني (يعني أنهم هم الخارجين لا هو) لا أرى ، وأنتكم ترون هذا ولا تحرّجون" فكتب أخي السيد محمود بمناسبة هذين النصين :
الله إني أبرأ إليك من الضلالة ، وبعد ، فإن أهل الريب والفتن ممن تصدوا للكلام في زماننا هذا ، قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله وفي القضاء في الدماء والأموال والأعراض بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام . فلما وقف على هذين الخبرين ، اتخذهما رأيا يرى به صواب القضاء في الدماء والأموال والأعراض بغير ما أنزل الله وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي بها والعامل عليها . والناظر في هذين الخبرين لا محيص له من معرفة السائل والمسئول ، فأبو مجلز (لاحق بن حميد الشيباني الدوسي) تابعي ثقة وكان يحب عليا وكان قوم أبي مجلز وهم بنو شيبان من شيعة علي يوم الجمل وصفين ، فلما كان أمر الحكمين يوم صفين ، واعتزلت الخوارج ، كان فيمن خرج على علي طائفة من بني شيبان ومن بني سدوس بن شيبان بن ذهل ، وهؤلاء الذين سألوا أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس وهم نفر من الإباضية . . . . . هم أتباع عبد الله بن إباض من الحروروية (الخوارج) الذي قال : إن من خالف الخوارج كافر ليس بمشرك ! فخالف أصحابه ...
ومن البين أن الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية إنما كانوا يريدون أن يلزموه الحجة في تكفير الأمراء لأنهم في معسكر السلكان ، ولأنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عنه ، ولذلك قال في الأثر الأول : فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا ، وقال في الخبر الثاني : إنهم يعملون بما يعملون وهم يعلمون أنهم مذنبون "
وإذن ، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعي زماننا من القضاء في الدماء والأموال والأعراض بقانون مخالف لغير شرع الإسلام ، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام ، بالإحتكام إلى حكم غير الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى ، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي له .
والذي نحن فيه اليوم ، هو هجر لأحكام الله عامة دون استثناء وإيثار أحكام غير حكمه ، في كتابه وسنة نبيه ، وتعطيل لكل ما في شريعة الله ... .فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن سن حاكما حكما جعله شريعة ملزمة للقضاء بها .
وأما أن يكون كان في زمان ابي مجلز أو قبله أو بعده حاكم حكم بقضاء في أمر جاحدا لحكم الله أو مؤثرا لأحكام أها الكفر على أهل الإسلام (وهي حال اليوم من آثر أحكام الكفر علىأحكام الإسلام) فذلك لم يكن قط ، فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضيين إليه ، فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في بابهما ، وصرفها عن معناها ، رغبة في نصرة السلطان ، أو احتيالا على تسويغ الحكم بما أنزل الله وفرض على عباده ، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله ، أن يستتاب ، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله ورضي بتبديل الأحكام ، فحكم الكافر المصر على كفره معروغ لأهل هذا الدين ) .
انتهى نص أحمد ومحمود شاكر جزاهما الله خيرا عميماً والجاهل بقدرهما عليه أن يسأل عنهما فهما علمين من أعلام الحديث واللغة العربية والتفسير لا يجاريهما أحد من أهل هذا الزمان ولا يكاد القرضاوي أن يقرض بعلمه طرف علومهما .
وانظر رحمك الله فهو يقول باستتابة من يتخذ هذه الآثار لنصرة السلطان ممن يدعي العلم (من أمثال بعض الجماعات الإسلامية في كتاب "دعاة لا قضاة" وأدعياء السلفية الذين يتخذون من تكفير أمثال سيد قطب دينا لهم إذ استشهدوا بهذه الآثار على الوجه الذي ذكره محمود شاكر) لا باستتابة السلطان إذ لا محل لإستتابته وحكمه معروف لمن له عقل .
قول بن عباس ليس تفسيرا من قبيل المرفوع بل اجتهاداً : ثم إنه إن كان ما ذكره ابن عباس ليس من قبيل التفسير للغيبيات ، فيكون من قبيل المرفوع بل هو من قبيل الإجتهاد الذي يمكن أن ينازع فيه إن خالف ثوابت أخرى ، وقد رجع بن عباس عن فتواه في تحليل زواج المتعة من قبل .
قول الصحابي ومرتبته في الأدلة الشرعية : فإذا اعتبرنا أن ذلك هو نظرلإبن عباس فإنه من المعلوم في أصول الفقه أن "قول الصحابي لا يخصص عمومات القرآن" ، فإن المخصصات للعموم عند الحنفية لا تكون إلا بالمتصل ، وهو ليس من قبيل ما نحن فيه ، وعند الجمهور يكون التخصيص بالمتصل والمنفصل ، والمخصصات قد عدّها أهل الأصول خمسة عشر مخصصا ليس من بينها اجتهاد الصحابي[6] .
أقوال من أخطأ من أهل العلم في هذا القول : ومن المعروف أن الألباني – في هذا العصر - هو أجلّ من قال بأن الحاكم بغير ما أنزل الله لا يكفر بناءاً على رأيه في الإيمان وهو أنه قول واعتقاد ، وأن الأعمال هي من كمال الإيمان كما هو مذهب الأشاعرة والماتريدية ، ومعروف تأثره بقول بن حجر في هذا وبن حجر رحمه الله أشعري العقيدة وقد خالف رحمه الله أكابر علماء السنة في هذا النظر ، كذلك فيما رآه من أن الكفر لا يكون إلا بالجحود وأنه لا كفر بالجوارح ، هو خطأ محض في العقيدة ، وسبحان من لا يخطئ ، والعيب كل العيب على من يتابعه متابعة المعبود ثم يدّعي عدم التقليد والسلفية ، وهؤلاء هم أبعد الناس عن السلفية أو الحديث ، وإن تشدّقوا بعالي السند ونازله[7] ! وأما غيره ممن هم من رؤوس بعض من انتسبوا إلى جماعات إسلامية مثل الإخوان ، فهم ممن لا يشتغل المرء بالرد عليهم لقلة علمهم وضآلة وزنهم في مجال العلم الشرعي .
أقوال من نصر مذهب أهل السنة من العلماء والمحدَثين : وهم جمع وجمّ لا يحصى من علماء الأمة في هذا العصر من أمثال الشيخ محمد بن إبراهيم ، والمحدث الأجلّ أحمد شاكر وأخيه العلامة محمود شاكر ، والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، والإمام الدوسري والإمام المودودي والإمام عبد العزيز بن باز ، خلاف القدماء من العلماء مثل بن تيمية وبن كثير .
ابن تيمية
يقول ابن تيمية " فإن الحاكم إذا كان ديناً لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار ، وإن كان عالماً لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار ، وإذا حكم بلا عدل ولا علم أولى أن يكون من أهل النار ، وهذا إذا حكم في قضية لشخص ، وأما إذا حكم حكماً عاماً في دين المسلمين فجعل الحق باطلاً والباطل حقاً والسنة بدعة ، والبدعة سنة ، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً ، ونهى عما أمر الله به ورسوله ، وأمر بما نهى عنه ورسوله فهذا لون آخر يحكم فيه رب العالمين ، وإله المرسلين مالك يوم الدين الذي له الحمد في الأولى والآخرة : {وله الحكم وإليه ترجعون} .. {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً} " .
ابن كثير
يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى "أفحكم الجاهلية يبغون" قال : " ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خيرٍ الناهي عن كل شر ، وعدل عما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق ، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها ، وفيها الكثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكّم سواه في قليل أو كثير" كما أن بن كثير قد ذكر نفس الكلام في تاريخه عن موضوع الحكم بالياسق وأمثاله قال : "فمن ترك شرع الله المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة – كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين " .
أحمد شاكر
يعلّق أحمد شاكر في "عمدة التفسير : " أقول : أفيجوز – مع هذا – في شرع الله أن يحكم المسلمون في بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أروربه الوثنية الملحدة؟ بل بتشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة ، يغيرونه ويبدلونه كما يشاؤون ، لا يبالى واضعه أوافق شرعة الإسلام أم خالفها ؟
إن المسلمين لم يُبْلوَا بهذا قط - فيما نعلم من تاريخهم – إلا في ذلك العهد ، عهد التتار ، وكان من أسوأ عهود الظلم والظلام ، ومع هذا فإنهم لم يخضعوا له ، بل غلب الإسلام التتار ، ثم مزجهم فأدخلهم في شرعته ، وزال أثر ما صنعوا بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم ، وبأن هذا الحكم السيئ الجائر كان مصدره الفريق الحاكم إذ ذاك ، لم يندمج فيه أحد من أفراد الأمة الإسلامية المحكومة ، ولم يتعلموه ولم يعلموه لأبنائهم ، فما أسرع ما زال أثره .
أفرأيتم هذا الوصف القوي من الحافظ بن كثير – في القرن الثامن – لذاك القانون الوضعي الذي صنعه عدو الإسلام جنكيز خان ، ألستم ترونه يصف حال المسلمين في هذا العصر ، في القرن الرابع عشر ، إلا في فرق واحد ، أشرنا اليه آنفا : أن ذلك كان في طبقة خاصة من الحكام ، أتى عليها الزمن سريعا فاندمجت في الأمة الإسلامية وزال أثر ما صنعت .
في هذ القوانين المخالفة للشريعة والتي هي أشبه شيئ بذاك "الياسق" الذي اصطنعه رجل كافر ظاهر الكفر ، هذه القوانين التي يصطنعها ناس ينتسبون للإسلام ، ثم يتعلمها أبناء المسلمين ويفخرون بذلك آباء وأبناء ، ثم يجلعون مرد أمرهم إلى معتنقي هذا الياسق العصري ، ويحقرون من خالفهم في ذلك ، ويسمون من يدعوهم إلى الإستمساك بدينهم وشريعتهم "رجعيا" و "جامدا"[8] إلى مثل ذلك من الألفاظ البذيئة .
بل إنهم أدخلوا أيديهم فيما بقي في الحكم من التشريع الإسلامي ، يريدون تحويله إلى "ياسقهم الجديد" وبالهوينا واللين تارة وبالمكر والخديعة تارة ، وبما ملكت ايديهم من السلطات تارات ، يصرحون – ولا يستحون – بأنهم يعملون على فصل الدين عن الدولة .
أفيجوز إذن لأحد من المسلمين أن يعتنق هذا الدين الجديد ، أعنى التشريع الجديد ! أو يجوز لأب أن يرسل أبناءه لتعلم هذا واعتناقه واعتقاده والعمل به عالما كان الأب أو جاهلا ؟!
أو يجوز لرجل مسلم أن يلي القضاء في ظل هذا الياسق العصري ، وأن يعمل به ويعرض عن شريعته البينة ؟! ما أظن أن رجلا مسلما يعرف دينه ويؤمن به جملة وتفصيلا ويؤمن بأن هذا القرآن أنزله الله على رسوله كتابا محكما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبأن طاعته وطاعة الرسول الذي جاء به واجبة قطعية الوجوب[9] في كل حال – ما أظنه يستطيع إلا أن يجزم غير متردد ولا متأول ، بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلانا أصليا ، لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة .
إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس ، هي كفر بواح ، لا خفاء فيه ولا مداورة ، ولا عذر لأحد ممن ينتسبون إلى الإسلام – كائنا من كان – في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها ، فليحذر إمرؤ لنفسه "وكل إمرئ حسيب نفسه" .
ألا فليصدع العلماء بالحق غير هيابين ، وليبلغوا ما أمروا بتبليغه ، غير متوانين ولا مقصرين .
سيقول عني "عبيد هذا الياسق الجديد" وناصروه أني جامد وأني رجعيّ وما إلى ذلك من الأقاويل ، ألا فليقولوا ما شاؤوا ، فما عبأت يوما بما يقال عني ولكني أقول ما يجب أن أقول "[10] .
الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم : " وأما الذي قيل فيه أنه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق فهذا الذي صدر منه المرة ونحوها ، أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل ، فهذا كفر ناقل عن الملة "[11] .
الشيخ صالح الفوزان
قال : " ففرق رحمه الله بين الحكم الجزئي الذي لا يتكرر وبين الحكم العام الذي هو المرجع في جميع الأحكام أو غالبها وقرر أن هذا الكفر ناقل عن الملة مطلقاً وذلك لأن من نحى الشريعة الإسلامية وجعل القانون الوضعي بديلاً منها فهذا دليل على أنه يرى القانون أحسن وأصلح من الشريعة وهذا لا شك فيه أنه كفر كفراً أكبر يخرج من الملة ويناقض التوحيد" [12]
الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز فيما نشر في مجلة الدعوة العدد (963) في [5/2/1405هـ] :
الجواب : يقول : ' الحكام بغير ما أنزل الله أقسام ، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم ، فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر عند جميع المسلمين ، وهكذا من يحكِّم القوانين الوضعية بدلاً من شرع الله ويرى أن ذلك جائزاً ، حتى وإن قال : إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل ما حرم الله " .
أي : من أجاز الحكم بغير ما أنزل الله من القوانين الوضعية ، ولو قال : إن تحكيم الشريعة أفضل -وهذا كمن ذكرنا لكم- مثل من يقول :
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً
ويقول : ' و لو قال : إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل ما حرم الله ، أما من حكم بغير ما أنزل الله اتباعاً للهوى أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه ' .
عبد القادر عودة
وننقل نصاً من كتاب الشهيد عبد القادر عودة ، أحد أئمة حركة الإخوان وكبار منظّريها ومن كبار قانوني مصر والعالم الإسلامي ، فقد كان رحمة الله عليه ممن فهم التوحيد وأدرك معانيه ، ولأنه قاض ومستشار قانوني في مصر فقد فهم ما تعني القوانين الوضعية فقال في كتابه العظيم "الإسلام وأوضاعنا القانونية" ، يقول : " إذا جاءت القوانين مخالفة للقرآن والسنة أو خارجة عن مبادئ الشريعة العامة وروحها التشريعية فهي باطلة بطلانا مطلقا وليس لأحد أن يطيعها ، بل على عكس ذلك يجب على كل مسلم أن يحاربها " ص54 طبعة المختار الإسلامي . ويقول رحمة الله عليه : "هذا هو حكم الإسلام ، وتلك هي سبيل المؤمنين ، وقد أظلنا زمن فشا فيه المنكر وفسد أكثر الناس ، فالأفراد لا يتناهون عن منكر فعلوه ولا يأمرون بمعروف افتقدوه ، والحكام والأفراد يعصون الله ويحلون ما حرم الله ، والحكومات تسن للمسلمين قوانين تلزمهم الكفر وتردهم عن الإسلام ، فعلى كل مسلم أن يؤدى واجبه في هذه الفترة العصيبة ... من واجب كل مسلم ... أن يهاجم القوانين الأوضاع المخالفة للإسلام ، وأن يهاجم الحكومات والحكام الذين يضعون هذه القوانين أو يتولون حمايتها وحماية الأوضاع المخالفة للإسلام" . ص18 . و قد واجه رحمة الله عليه عقوبة الإعدام عام 1954 نتيجة موقفه هذا ولتصفية حسابات شخصية بين الملحد[13] عبد الناصر (أحد أئمة هؤلاء المخابيل من أدعياء السلفية !!) وبين الإخوان . ألا فليعتبر هؤلاء المقلدون الجهلة ممن يدعي الإنتساب إلى الإخوان "الجدد" ممن عمي عليهم الطريق ، ولينتسبوا إلى مثل هذا الرجل الملهم .
والعجيب أن هؤلاء المبتلين يقولون : " نعم ، حتى إذا سلمنا بأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر ، ولكن ، لا يطبق على هؤلاء الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ويستبدلون الشرع الحنيف بغيره من القوانين الوضعية ؟!؟! "
والله لقد خدم المدخلي أعداء الإسلام والمتهجمين على شريعته بما لم تخدمهم به أسلحتهم ولا سجونهم ومعتقلاتهم ولا أوليائهم من الصليبيين والصهاينة ، فقد مهّد لهم هذا الآبق عن الشريعة بأن جعلهم أئمة يستمع لهم وموّه على الشباب أن هؤلاء هم من قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث إتباع أئمة المعصية ، كما سنرى في ردّ الشبهة التالية .
ب. شبهة الأحاديث التي تتحدث عن إتباع ولاة الأمر :
وردت أحاديث في السنة المطهرة تدعو إلى طاعة الإئمة وولاة الأمر طالما اتبعوا الحق ولم يخرجوا عن دين الإسلام ، وقد التوى بمعنى هذه الأحاديث المدخلي وذيوله من الشباب المغرر به ، فحملوا هذه الأحاديث على مناطات خاطئة لتبرير تنحية الشريعة واتباع الأحكام الوضعية كما سنبين .
بعض الأحاديث النبوية في اتباع الولاة :
مسلم : حدثنا اسحق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الأوزاعي عن يزيد بن يزيد بن جابر عن زريق بن حيّان عن مسلم بن قرظة عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلّون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قيل : يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال لا ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة "
أحمد : حدثنا عبد الصمد حدثنا أبي وعفان قالا حدثنا عبد الوارث حدثنا محمد بن جحادة حدثنى الوليد عن عبد الله البهي [15] عن أبي سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تكون أنراء تلين لهم الجلود وتطمئن اليهم القلوب ويكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب وتقشعر منهم الجلود قالوا أفلا نقتلهم قال لا ما أقاموا الصلاة "
الدارمي : حدثنا الحكم بن المبارك أخبرنا الوليد بن مسلم[16] عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال أخبرني زريق بن حيان مولى بني فزارة أنه سمع مسلم بن قرظة الأشجعي[17] يقول سمعت عوف بن مالك الأشجعي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلّون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قيل : يا رسول الله أفلا ننابذهم يا رسول الله عند ذلك؟ قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة ، ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة " .
وقد إتخذ هؤلاء الظاهرية هذه الأحاديث وتلاعبوا بمفهومها وحرّفوا مناطها كما تلاعب قبلهم غيرهم بمقال بن عباس في "كفر دون كفر" حسب ما بيّنا قبل ، والشاهد هنا ما يأتي :
التعليق على ما في هذه الإستشهادات من تدليس وتبديل :
أولا : أن هذه الأحاديث منزّلة على مناط من عصى الله ولم يخرج عن دينه بالكلية ، ولهذا طبقها الصحابة والتابعون من أهل السنة في مناطها الصحيح ونعوا على الخوارج الذين خرجوا على أئمة الظلم لا على من ارتكب مكفّرا كتبديل شرع الله ! وحديث عبادة بن الصامت فيه الكفاية للدلالة على ذلك :
حدثنا إسماعيل حدثني ابن وهب عن عمرو عن بكير عن بسر عن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله حدّث بحديث ينفعك الله به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " متفق عليه . وهو نصّ في الموضوع .
فههنا مربط الفرس ، أننا ندّعى أن تبديل الشريعة وإنشاء شرع مواز لشرع الله وتخضيع المسلمين للقوانين الوضعية هو من الكفر البواح الذي لنا فيه من الله برهان وبراهين . فنحن إذن لا نخالف في صحة هذه الأحاديث ولا في تطبيقها في مناطاتها ، خلافا للخوارج ، وإنما نحن نرى أنها قد تلاعب بمناطها المغرضون من أتباع السلاطين ليسوغوا اتباع الشرائع الوضعية ويحسنوا للناس القوانين الكفرية .
وإذن لا يصلح الإستدلال بهذه الأحاديث في هذا الموضع إذ هي في ذاتها محل الخلاف في مناطها وأصول المناظرة يستدعى العدول عن دليل الخلاف والبحث عما لا يخْتلف فيه الخصمان .
ثانيا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال "ما أقاموا فيكم الصلاة" وهو معنى إقامة الدين لا مجرد الصلاة ، ويدل على هذا حديث البخاري عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحدٌ إلا كبّه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين " فإقامة الدين هي المقصود بإقامة الصلاة . وحدثنى بالله عليك يا محّدث الأمة وكبير علمائها : هل إقامة الدين تتمشى مع رفع الشريعة كمصدر وحيد للتحاكم وفرض قوانين وضعية بشرية يحكمون بها في أبضاع الناس وأبشارهم وأموالهم ودمائهم ؟
وهؤلاء الذين يتلاعبون بهذه الأحاديث الشريفة وينزلونها غير منزلها في فعلتهم هذه قد اقتفوا أثر الآخرين الذين تلاعبوا بقولة بن عباس "كفر دون كفر" من قبل والذين قال في أمثالهم أحمد شاكر : ( فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في بابهما ، وصرفها عن معناها ، رغبة في نصرة السلطان ، أو احتيالا على تسويغ الحكم بما أنزل الله وفرض على عباده ، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله ، أن يستتاب ، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله ورضي بتبديل الأحكام ، فحكم الكافر المصر على كفره معروغ لأهل هذا الدين ) . وهو صحيح في نفس هذا التلاعب بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثالثا : ثم إن هؤلاء البشر ترى الواحد منهم يتفنن في سبّ الدعاة ممن أخطأ أو زل رغم كفاحه الطويل في سبيل الله ولكنه لا يقدر على أن يُذكر أحد هؤلاء الطغاة المتجبرين من الحكام أمامه بسوء ! فسبحان الله العظيم على هذا الفقه العقيم ! ألم يأت في حديث مسلم " تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم " فأين البغض لمن عصى الله (إن سلّمنا بأن فعلهم معصية) ، ولم لا يسمحون بلعنهم كما في الحديث ، وهو منطوق الحديث ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! وهل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبّ هؤلاء الحكام وعدم ذكرهم بالسوء وحثّ على سبّ العلماء والدعاة وإن أخطأ فيهم الواحد مرة أو مرات ؟! أهذا هو من دين الله ومن فقه الإسلام ؟! والله إنّ هؤلاء لضالون محرومون من حسن الفقه عن الله ومن دقة الفهم عن رسوله صلى الله عليه وسلم .
جـ. شبهة منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله :
وهذا المنهج الذى إدعاه المدخلي وفرضه على أنبياء الله فرضا وكأنه نزّل عليه من السماء هو أسّ البلاء وأساس الإنحراف الذي نكب هذه المجموعة من الشباب . فإن الرجل قد إدعى أن منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله يستلزم أن نغضّ البصر عن تبديل الشرائع ، وأن نترك "ولاة الأمور" يسدرون في غيّهم وعبثهم بشرع الله وتبديلهم أحكامه ، ثم يكون همّ الدعاة في محاربة الصوفية والأشعرية وغيرها من البدع الإعتقادية . وهو في هذا يتحدث عن "التوحيد" على أنّه المحاربة لبدع الصوفية وغيرها ، وكأنّ إشراك البشر مع الله سبحانه والتشريع بغير ما أنزل ليس من التوحيد !
يدعى الرجل أنّ المودودى وسيد قطب رحمة الله عليهما لم يوليا التوحيد الإهتمام الكافي ! وأن دعوتهما كانت سياسية لا دينية[18] ! ووالله الذى لا إله إلا هو لا يقول هذا إلا من فقد عقله جملة واحدة ! ألم يقرأ الرجل كتاب المودودي عن المصطلحات الأربعة في القرآن والذى يعتبر بحق باعثا لمعنى التوحيد "توحيد الألوهية" في هذا العصر والذى لو أنفق أمثاله في محاولة مثله ما قدّر له أن يكتب صفحة من مثل هذا الكتيب على صغر حجمه ! لقد غرق المدخلي في معاني توحيد الربوبية وأهمل المعنى الأصلي لتوحيد الألوهية وهو الرجوع إلى حكم الله في كلّ أمر من أمور الدنيا والدين ، وسيد قطب لم تكن دعوته إلا إلى إعادة مفهوم لا إله إلا الله في حياة الناس ، فهل لا إله إلا الله كما شرحها بن تيمية وبن القيم وغيرهما من رجالات السنة والسلف الصالح غير ما يعنيه هذا المدخليّ ، نعم ، فهو لا يعنى بالرجوع إلى أمر الله ، بل يدعى أن الأنبياء لم يحاولوا إقامة نظام إسلامي ! وهو الخبال بعينه والظاهرية في أجلى معانيها ! فإن الحكم بما أنزل الله لا يستدعى وزارة مشكّلة أو برلمان قائم ، بل "شكل" الحكومة يتبع الزمان والمكان الذي تكون فيه الدعوة ، ولكن المبدأ واحد لا يتغير أن "لا حكم إلا لله" وأن "ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون" .
يقول الرجل :" إن الدعوة إلى الحاكمية وتطبيقها أمر مهم ويهم كل مسلم "[19] !!! هكذا ... أمر مهم ، وكأنه يتحدث عن وجوب إطلاق اللحية أو الإقلاع عن التدخين !! والله لو لم يتب هذا الرجل قبل أن يأتيه نداء الحق ليكونن له مع الله سبحانه شأن عظيم . هذا حجم الرجوع إلى أحكام الله في شرعه ! أمر مهمّ !!!
ثم إن هذا المنهج الذي يدعو له هذا الرجل يحمل في طياته معنى هو أقرب تكفير الناس إذ هو يعود بالناس إلى ضرورة الدعوة إلى أوليات التوحيد ، إذ هم لا يعرفون معنى أسماء الله وصفاته ، وهم يدعون من دون الله غيره دعاء عبادة ومسألة ، فأولى أن ندعوهم إلى تصحيح هذا الأمر قبل أن ندعوهم إلى الإلتزام بمفردات أحكام الله سبحانه ! أليس في هذا رائحة تكفير الناس وإدعاء أنهم لا يزالون في مرحلة ما قبل الإسلام وأنه يجب أن نبدأ معهم ما بدأ به الرسل ؟!
ما الذي جعل الدعوة إلى توحيد الأسماء والصفات وتوجيه المسلمين إلى عدم الدعاء إلى الموتى أولى من التحاكم إلى شرع الله والرجوع إلى أمره في كل كبيرة وصغيرة ، ومنها أمره بعدم الدعاء لغيره سبحانه ؟! وما هو المانع من أن يدعو الدعاة إلى الرجوع لأمر الله سبحانه مع دعوتهم إلى عدم الدعاء للموتى أو مع تصحيح النظر في الأسماء والصفات أو ما غير ذلك من التوحيد . والدعوة إلى التحاكم إلى شرع الله والتزام أمره ونهيه في كل أمور الحياة هي من أول أمور التوحيد التى تنزّل بها القرآن في آيات المائدة وهى عامة مطلقة تناثرت في القرآن من أوله إلى آخره تدعو إلى إرجاع الحكم لله سبحانه ، كما في قوله تعالى : "وأن أحكم بينهم بما أراك الله ولا تتبع أهواءهم" و"إن الحكم إلا لله" و "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" و"أفحكم الجاهلية يبغون ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون" و "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" وغيرها وغيرها من آيات القرآن الشاهدات على أن الحكم بما أنزل الله ليس فقط "أمر مهم" ! (أخزاك الله في هذا التقييم) ولكنه صلب التوحيد .
وسنفرد إن شاء الله تعالى كتابا منفردا للرد على هذا الهراء الغثّ الذي أتى به المدخلي في كتابه "منهج الدعوة" فانحرف به رهط من الشباب وحرم الأمة من جهدهم في رؤية الحق والوصول اليه ، وجعلهم مسخا يسير وراءه في سبّ العلماء والترويج للسلاطين واتباع الباطل ، ويشهد الله أنه نتاج عقل انحرف ابتداءا في فهم هذا الدين فلم يعرف ما يقول ولا ما يهرف به .
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
[*] لو أردنا أن نكيل له بالمكيال الدنئ الذي يستعمله هو ومن هم على شاكلته من أطلاق النعوت البذيئة على أهل السنة الشرعيين لسميناه "رقيع المدخلي" وصاحبه "مدبر بن هاذى" لما يقوله من هذيان. ولكننا والله أرفع من أن نلوث أنفسنا بمثل هذا النجس المنحط الذي لا يصدر إلا عن شنآن من قصر عقله وعدوان من ضاق أفقه وانحطت سريرته . قال الشاعر
وإذا أتتك مذمّتى من ناقص ٍ فهي الشهادةُ لي بأني كاملُ
[1] كتب صدرت عن الفرق وهي : "الصوفية نشأتها وتطورها"، "المعتزلة بين القديم والحديث" و"مقدمة في أسباب إختلاف المسلمين وتفرقهم" .
[2] راجع مقالاتنا عن القرضاوى في هذا الموقع .
[3] أئمة الحديث ومن سار على نهجهم هم أعلم الناس بأهل الأهواء والبدع ، مقال رقم 59 .
[4] راجع كتابنا بالإنجليزية "The Counterfeit Salafis" ، وقد نشرت ترجمته على هذا الموقع ، انظر قسم الكتب
[5] الإعتصام للشاطبي .
[6]الفروق بلقرافي و أصول الفقه لأبو زهرة .
[7] راجع في عقيدة الألباني "حقيقة الإيمان عند الشيخ الألباني" محمد أبو رحيم.
[8] و بالمصطلحات الحديثة "إرهابي و أصولي " و ما أشيه ذلك .
[9] أقول : بل إنه أمر توحيد وكفر ، ووجوبه هنا هو وجوب الإيمان بالتوحيد لا وجوب كوجوب الفروع .
[10] "عمدة التفاسير" أحمد شاكر، جـ1 ص216.
[11] راجع مجموعة فتاوى الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم جمع الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن القاسم
[12] كتاب "التوحيد" صالح الفوزان
[13] وهو ما حكاه عنه صديق عمره محمد حسنين هيكل أنه لا جنة ولا نار ولكن هذه الدنيا هي جنتنا ونارنا.
[14] الوليد : مجهول
[15] صدوق يخطي، وإنما سقنا الحديث تعضيدا للرواية الصحيحة لمسلم
[16] الوليد بن مسلم : ثقة يدلس
[17] مسلم بن قرظة : مقبول
[18] منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله ص140 وبعدها
[19] السابق ص 183
_المصدر: موقع الدكتور طارق عبد الحليم
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)